مذكرة رد جزائية

مذكرة رد جزائية

من أقبح صور المحامين أن يكون المحامي كذابا وجريئا في أكل الحقوق:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،،
ليس أشد على من يحمي الحقوق ويدافع عنها ويرد الظلم عن الغير من أن يجد حقه يضيع من بين يديه والظلم يطوق عنقه أحساس مليء بالحسرة والمرارة أشعر به ليس لأني ظُلمت فقط وأخذت أموالي فهي ليست المرة الأولى لكن المؤلم حقا أن الظالم في هذا المشهد ممن ينتسب إلى قبيلة المحامين أو بتعبير أدق من المحسوبين على المحامين ، وأن الظلم الذي وقع علي ليس بتفريط أو إهمال وإنما بسلامة الطوية وحسن الظن بأن صدق الكلمة ووفاء العهد والتزام العقد أمر يتصف به كل كريم خٌلق ممن عرف الظلم ومقته وكره والمحامون من أولى ممن يتحلى بتلك الصفات.
المحاماة ليست مجرد شهادات من كليات الحقوق أو تراخيص بممارسة المهنة من نقابات المحامين، لينطلق حاملها يملأ كل فضاء كذبا وغشا وخيانة وظلما وأكلا لأموال الناس بالباطل، المحاماة قيم نبيلة وآداب جليلة ومبادئ كريمة وأخلاق فاضلة وقبل ذلك كله هي صدق وأمانة وشرفا في الكلمة، فإن لم تكن كذلك فليست تلك هي المحاماة ذات الشرف والكرامة والمنزلة العالية الرفيعة وليس من يمارسها هو ذاك المحامي صاحب الخُلق النبيل وإن صار نقيبا للمحامين أو يشار له بالبنان، فهو في الحقيقة كذاب أشر بطر يتلون مع الباطل ويدور معه حيث دار غايته كسب مادي فقط يصد عن كل حق ويأكل ما ليس له حق ويدمر كل قيم جميلة ويهدم كل فضيلة.
لا شك أن الظلم مرفوض من أي إنسان كائنا من كان بل حتى في الحيوان لا يكون مقبولا فكيف إن كان هذا الظلم ممن يفترض فيه القّيم النبيلة والمبادئ والأخلاق الكريمة بلا شك يكون أشد و أنكى لا بل طامة كبرى ومصيبة وبلوى، لأن العدل والإنصاف وغيره من هذه القّيم إذا فقدت في المحامي فماذا بقي له من قيمة وماذا بقي له من شرف المهنة وعلو الرتبة وسمو المنزلة وكرامة العمل، أن تكون محاميا يعني لابد أن تكون صادقا أمينا تراعي العهود وتفي بالعقود والوعود ولا تنقض المواثيق والعهود، أن تكون محاميا يعني ألا يحتاج لمن يتعامل معك أن يثبت حقه الذي في ذمتك بالمستندات وبالشهود لأنك صاحب مبدأ ورسالة وداعي حق وذو ضمير حي تربى على قّيم الحق والعدل والإنصاف يجعلك تشهد على نفسك نصرة لغيرك لأنك منصفا لنفسك من نفسك فلا يحتاج لمن يتعامل معك إلى ما يحتاجه مع أهل الظلم والعدوان ودعاة الباطل ممن يأكلون حقوق الآخرين.
ما أكثر الدخلاء على هذه المهنة العريقة الشريفة وما أكثر المحسوبين عليها زورا ممن أفتقدوا قّيمها ولم يعرفوا مبادئها وأخلاقها بل ما عرفوا معنى الحق وقّيم العدل، وهم يُحسبون على المحامين وهم ليسوا منهم لأنهم لم ينالوا شرفهم ولم يصلوا قدرهم ولم يعرفوا حقهم ولم يتأسسوا على قّيمهم وأخلاقهم وآدابهم فأنــــى لهم أن يكونوا منهم ... أنــى لهم.
جاء في كتاب الرقاق في صحيح الإمام البخاري رحمه الله عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).

السرقات الأدبية داء أعجز عن الدواء (1)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... 
لا شك أن السرقة لفظ بغيض تأنفه النفوس السليمة وتمجه الأسماع لأنها خٌلق ذميم وطبع قبيح تنفر منه كل فطرة سليمة وطبع سوي ولا يستمرأها أو يتلبس بها إلا قليل الدين عديم المروءة من ذوي الفطر المنكوسة والأخلاق الوضيعة والنفوس المريضة ويكفي في ذمها أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قرن بينها وبين عدم الإيمان في قوله (لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) وفي تقديري لا تختلف السرقة سواء كانت مادية محسوسة أو كانت سرقة أدبية ومعنوية فالسرقة سرقة وإن تعددت أوصافها أو تباينت أسماءها. والسرقة الأدبية لا شك في أنها جريمة خطيرة وإن وصفها البعض بأنها جريمة أخلاقية متحصنين بأنه لا يوجد حكما صريحا ومحددا لها فهي في نهاية المطاف جريمة طالما أن السرقة يٌسلب بها الحق من صاحبه و بها يوضع الشيء في غير موضعه و بها تضيع الحقوق وتذهب الحقيقة أدراج الرياح فإن كان سلب الأموال والمتاع جناية بحكم الشرع والقانون فإن السطو على إنتاج الغير والانتحال وانتزاع الأفكار من مبدعيها ومخترعيها سرقة لا تقل خطورة وضررا من سلب المتاع و سرقة الأموال العينية وإن كانت السرقة المادية أو الجنائية تعد أمرا بغيضا ومستهجنا فإن السرقة الأدبية أكثر قبحا وسوءا لأنها جمعت أثنين معا سرقة وكذبا في آن واحد فهي جماع الشر كله أو كما قال الشاعر: [إن شر ما قيل الكذب] وكقول شاعر الجاهلية طرفة بن العبد[وشرّ النّاس من سرقا]. والسرقة الأدبية وإن لم يتفق على تعريف جامع لها إلا أنها لا تخرج عن كونها نقل غير شرعي لمجهود الغير الفكري أو الأدبي دون إذن صاحبه ونشره دون الإشارة إلى مصدر الأصلي، فنشر الشيء دون الإشارة إلى صاحبه أو مصدره سرقة وشر صنيعة، والواقع يكشف لنا أن السرقات الأدبية ليست ظاهرة حديثة وليدة الحاضر بل هي ضاربة الجذور في القدم منذ عصور اليونان والرومان غير أنه يصعب تحديدها في تلك الحقب المتأخرة لعوامل كثيرة ، ولم ينجو من هذه الظاهرة السيئة والصورة القبيحة حتى الأدب العربي ولم يسلم منها حتى الشعراء فالناجون منها قليل حيث يقول ابن رشيق: عن تلك السرقات الأدبية (هذا باب متّسع جدّا لا يقدر أحد من الشّعراء أن يدعي السّلامة منه وفيه أشياء غامضة إلاّ عن الحاذق بالصّناعة وأخرى فاضحة لا تخفى عن الجاهل الغافل) ويقول عنها القاضي الجرجاني: أنها ( داء قديم وعيب عتيق ومازال الشاعر يستعين بخاطر الآخر ويستمد منه قريحته ويعتمد على معناه ولفظه) وهذا تأكيد على انتشار هذه الظاهرة وقدمها بل يقال أن السرقات الأدبية عرفت في الأدب العربي منذ العصر الجاهلي. ويتأكد ذلك من خلال أشعار طرفة بن العبد الذي يعد أول الشعراء في ذم السرقة في قوله: 
ولا أغير عــلى الأشعار أسرقها * عنها غنيـــت وشرّ النّاس من سرقا. 
وإن أحسن بيت أنت قائـــــــله * بيت يقـــال إذا أنشــدته صــــــدقا.
وهذا يدلل على أن السرقات الأدبية أو الشعرية على وجه الخصوص لم تكن ظاهرة حديثة، وإن تركيزي في هذا المقال أختص به الشعر كنموذج إلا أن السرقات الأدبية لم تقتصر على الشعر فقط دون غيره من أوجه الإبداع و الفنون. ومما لفت انتباهي في السرقات الشعرية و أذهلني العدد الكبير من فحول الشعراء الذين يشار إليهم بالبنان ويعدون من الاعلام تجدهم متهمين بالسرقات الشعرية لسابقيهم من الشعراء أو معاصريهم وفق ما أشارت إليه كتب النقد والبلاغة فلم تحدثتني نفسي يوما بأن شاعر بني كليب جرير بن عطية الذي وصف بأنه أشعر أهل عصره في فن الهجاء والمدح له سرقة تعد من معايبه أو أن لزهير بن أبي سلمى سرقات من قراد بن حنش أو أن الشاعر الفذ النابغة الذبياني الذي أبدع في قصيدته التي تعد من كنوز الشعر العربي في قوله:
سقط النصيف ولم تــرد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليـــد
بمخضب رخص البنان كأنه عنقود من فرط الحلاوة يعقد
فمن يظن أن للنابغة الزبياني سرقات شعرية من الشاعر وهب بن الحارث بن زهرة، وفق ما ذكره أبو هلال العسكري حيث أكد أن بيت النابغة الذي يقول فيه:
( تبدو كواكبه والشمس طالعة **لا النور نور ولا الإظلام إظلام)
أن هذا البيت من الشعر مأخوذ من قول وهب بن الحارث حيث يقول : 
( تبدو كواكبه والشمس طالعة ** تجري على الكأس منه الصاب والمقر) ومن منا كان يشك في الفرزدق أحد فحول الشعر العربي في المدح والفخر والهيجاء الذي لا يشق له غبار في هذا المضمار أن له سرقات شائعة ذكرها المرزباني عن أحمد بن طاهر انه قال: ( كان الفرزدق يصلت على الشعراء ينتحل أشعارهم ثم يهجو من ذكر أن شيئا انتحله أو ادعاه لغيره وكان يقول ضوال الإبل وخير السرقة ما لم تقطع به اليد) و روي عن الفرزدق أيضا انه سمع جميل ابن معمر ينشد قوله : ( ترى الناس ماسرنا يسيرون خلفنا *وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا ) فقال الفرزدق : متى كان الملك في بني عذره ؟ إنما هو في مضر وأنا شاعرها فغلب الفرزدق على البيت ولم يتركه جميلا حتى أسقطه من شعره. وقد ذكر الرواة كثيرا من الشواهد العملية على ماحكوه عن الفرزدق وكل هذه الشواهد تثبت أن للفرزدق تاريخا حافلا في السرقات الشعرية. وأن أهم ما تميزت به السرقات في الشعر الجاهلي أن الشاعر ينتحل شعر غيره انتحالا وهذا النوع من السرقات يسميه النقاد الاجتلاب ويصفونه بالسرقة الفاضحة ولم يقف الأمر على الفرزدق وحده بل جاء في الأخبار أن المتنبيء الذي ملاء الدنيا صخبا وضجيجا واشتغل الناس بذكره كثيرا والذي يعد صاحب أكبر حركة نقدية في تاريخ النقد العربي ويحتل مكانة عظيمة بين شعراء عصره أن له سرقات شعرية وأنه كغيره لم ينجوا من تلك الآفة والخصلة السيئة، أكد ذلك من تتبعه من النقاد واشهرهم أبو سعيد محمد ابن احمد العميدي صاحب كتاب ( الإبانة عن سرقات المتنبي لفظا ومعنى ) يقول عن المتنبي ‏‎frown‎‏ رمز تعبيري ولقد تأملت أشعاره كلها فوجدت الأبيات التي تفتخر بها أصحابه وتعتبر بها آدابه من أشعار المتقدمين منسوخة و من معانيهم المخترعة مسلوخة ) ويقول عنه ابن الأثير أن بيت المتنبي فيها: 
( لم يسلم الكر في الأعقاب مهجته * إن كان أسلمها الأصحاب والشيع)
مأخوذ من بيت أبي تمام في قصيدته تلك : (
(ما غاب عنكم من الأقدام أكرمه *في الروع إذ غابت الأنصار والشيع) 
والعهدة على الراوي في كل ما تقدم من قدح وقول بالسرقات الأدبية والشعرية على وجه الخصوص، ولقد أمتدت هذه الظاهرة وانتشرت وعمت الآفاق خاصة في عصرنا هذا الذي ازدادت فيه السرقات الأدبية وتنوعت حتى طالت الدراسات الجامعية والبحوث العلمية وغيرها ، والذي ينبغي التنبيه إليه هنا هو أن السرقة الأدبية تختلف عن الاقتباس فالاقتباس بكل أنواعه لا يؤاخذ عليه فهو جائز بحكم الشرع والقانون لكن شريطة أن ينسب المقتبس ذلك إلى مصدره وأن يعزوه إلى صاحبه عند الكتابة والتسجيل ورده إلى مصدره الأصلي كذلك نقل أفكار الغير وكتابتها وتطويرها بالإضافة إليها وتحديثها لا تدخل في السرقة الأدبية إذا تمت الإشارة إلى مبدعها ومخترعها وبيان أوجه الإضافة والزيادة فيها.فليس أقبح من أن يسلخ المرء جهد غيره ويسطو عليه بنسته إلى نفسه، فهو بلا شك من السرقة والكذب والسرقة فعل مجرم بنص القانون وهو كذلك من التشبع بما لا يُعط الذي ورد به النهي في الشرع في قول رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلم : (المتشبعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ ) . رواه البخاري ، وأنظر إلى دقة اللفظ والوصف في التثنية في قوله صلى الله عليه وسلم: ( ثَوبَي زُور ) : للإشارة إلى أن كذب المتحلِّي مثنَّى، لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ ، وعلى غيره بما لم يُعطِ ، وكذلك شاهد الزور ، يظلم نفسه ، ويظلم المشهود عليه. فلابد في باب التصنيف أن يعزوَ إلى أربابها وأن يحيل إلى أصحابها حتى تبرؤا ذمته من انتحال ما ليس له ،وإلا يكون كلابس ثوبي زور.

فن و آداب المرافعة: (الجزء الأول)

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،،
الأدب هو أحد أشكال التعبير الإنساني فهو أداة الإنسان في ترجمة عواطفهوأفكاره وخواطره وهواجسه، وأدب كل شيء هو حٌسنه وكماله وتمامه وتهذيبه وإجادته وأدب المرافعة هو حٌسنها وكمالها وتهذيبها وإجادتها وإخراجها بصورة جيدة تسحر العقول بجمالها وقوة تعبيرها وتأخذ الألباب بحججها وبراهينها وتستقر في الأذهان لكونها همزة الوصل بين الحقيقة الماثلة والعدالة المنشودة.
ويقصد بالمرافعة الخطبة القضائية كما عرفها أرسطو في كتابه"الخطابة" وهي عادة تتوجه إما إلى الاتهام وإما إلى الدفاع وتعد من ضمن الإجراءات المقررة لتصحيح الدعوى والسير فيها، وأدب المرافعة يعني تعبيرها عن ثقافة رفيعة، وعن تفكير عميق ورأي حصيف كما هو الحال بالنسبة للأديب الذي يٌعبر في نتاجه عن موهبته الأصيلة بجمال لغته ورشيق عباراته وطلاوة أسلوبه فيمتع الناس ويكسبهم العلم والمعرفة معا، كذلك المحامي عندما يتأدب في مرافعته فهو يقيم الحجة ويٌثبت الحقيقة الغائبة بقوة منطقه وحٌسن بيانه وسلامة أسلوبه ودقة عبارته، فبتأدبه في مرافعته أكسبها جمالا وزينة وقبولا فكان لها وقعها وتأثيرها على واقعة النزاع ومحكمة الموضوع فكانت كالمصباح الذي يُنير للقاضي طريق العدالة ويمكنه من إصدار حكمه على أساس سليم، ولما كانت المرافعة من الأهمية بمكان كان لزاما على المحامي تنزيهها مما لا يليق بها صونا للحق الذي يدافع عنه وصيانة لها من ما يجدر ألا يلصق بها، لذلك كان من أهم آداب فن المرافعة بعد المعرفة التامة بموضوع الدعوى والإلمام التام بجوانبها المختلفة وما يثبتها أو ينفيها يأتي:
أولا: الصدق في المرافعة: أو ما يُعبر عنه بمطابقة المرافعة لمقتضى الحال وبدأت بالصدق لأن المرافعة أمانة قبل أن تكون وسيلة لشرح وإثبات الحقيقة الغائبة والصدق هو عنوان النجاح والفلاح في كل شيء، ولا يصدق من لم يكن شجاعا في قول الحق، فإن التمس المحامي في المرافعة الصدق و تحراه فإنه قد هٌدي طريقا سهلا ميسورا ووطأ مركبا ذللا ، فهو بذلك ينأى بنفسه عن تنكب طرائق الباطل الوعرة، ذلك لأن الصدق في المرافعة هو أقصر الطرق للوصول إلى كبد الحقيقة وهو أسرعها لشرح وجهة نظره بما يتفق والحقيقة القانونية الماثلة والواقعة محل النزاع، وبالصدق تكون المرافعة كما ينبغي أن تكون صحيحة ،وواضحة ، وممتعة ومؤثرة لأن للصدق بريقا يُضفي عليها من نوره نورا لإجلاء الحقيقة، ويدرك ذلك من كان له خبرة في هذا الباب، وأعلم أيها المحامي أنه إذا فُقد الصدق في المرافعة فإن ذلك المسلك يفقدها بريقها وإن نُمقت عباراتها وزُينّت كلماتها وزخرفت ألفظها لأن فقدان الصدق يعرضها للإضطراب والتناقض وإن خفي ذلك على العامة أو خفي حتى على القاضي إلا أنه لا يخفى عليه اضطرابها، فأجتنب ذلك تحظى بمرافعة جيدة وسليمة المبنى واضحة المعنى. 
ثانيا: الوضوح والإيجاز: فمن الحكم الشائعة أن من كثُر كلامه كثر خطؤه ومن كان حاله كذلك ضعُف تأثيره فينبغي للمحامي أن يختار كلماته وجمله وألفاظه بشكل سهل ومختار وذلك بأجتناب التعقيد في العبارات وأجتناب التوعر فهي من عيوب الكتابة، ، واجتنب التطويل الذي يُمل كما لا تركن دوما إلى الاختصار الذي يُخل فكن على التوسط والاعتدال ، وأعلم أن من دلائل الوضوح والإيجاز عدم الخوض في التأويلات والتطرق إلى الاحتمال. فلابد من الحرص والعناية باللفظ لأنّ الكلمة هي أداة المحاماة.
ثالثا: تقسيم موضوع المرافعة إلى مقدمة وخاتمة: ويراعى في ذلك أمر في غاية الأهمية وهو التسلسل في سرد الوقائع والأحداث بأن تجيء المقدمات متفقة مع ما يتوصل إليه من نتائج، وهذه مهارة تتطلب من المحامي الدقة في الكتابة مع حُسن الترتيب. وهناك نقطة مهمة أيضا وهي لابد للمحامي تحديد النقاط التي سوف يتطرق لها في مرافعته للمحكمة حتى يحيطها علما بها ويشد بها انتباها ويرفع بها عنها السآمة والملل ويتأكد ذلك إذا كانت النقاط كثيرة ومتنوعة، وليبدأ دائما بما هو أهم بتناول النقاط الجوهرية في دفاعه كذلك ترتيب بيناته وحججه بالأقوى دلالة والأشد تأثيرا كذلك الحال في ترتيب مستنداته، وينبغي أن يتم حصر طلباته وتحديدها بشكل واضح لا لبس فيه ولا غموض.
رابعا: ليكن أسلوب المرافعة دوما شارحها وموضحا لا معلما للقضاة ولا مسفها للآراء ولا ساخرا مما يقُدم من حجج و لا متهكما من ما يُقدم في مواجهته من دفاع، لأن الأصل العام أن لغة المرافعة هي لغة تعتمد على الالتماس الذي يسبقه كامل التقدير والاحترام لهيئة المحكمة لكونها جهة تُطبق العدالة وتتسم بالهيبة والوقار، بالتالي لابد أن تتميز ألفاظ المحامي بكمال الأدب والتهذيب بعيدة عن التعالي والغرور وانتقاص كرامة الغير، ولا تتخذ من المرافعة مجالا لإظهار الخصومة والعداء فذلك مما يعيب المرافعة ويصرف عن التركيز على مضمونها لأنه يُنبه على العداء والخصومة التي تطرقت لها فيُلهي عن الحقيقة التي تنشد بيانها أو الواقعة التي تريد إثباتها أو نفيها. 
خامسا: تختلف المرافعة عن المقال كذلك تختلف عن غيرها من الكتابات الأخرى لكونها كتابة قانونية أي تتصف بالدقة وسلامة الأسلوب فلا تجد فيها إسفافا و لا مبالغة ولا تجد فيها تهويلا وتضخيم ولا فيها مخالفٌة فيها للواقع والحقيقة أو العرف أو مخالفة للقواعد الثابتة التي اعتاد الناس معرفتها، فلا يمكن بحال أن يُسبب تسريب المياه في الشقة أو المبنى المستأجر سيلاً أو يحدث طوفاناً، فكلما نأى المحامي في مرافعته مما يُصادم الحس ويخالف الواقع كان تأثيره أبلغ وكان كلامه مقنع وللصدق أقرب.
وأعلم أنه قلما وجد حق متنازع عليه دون التباس بالباطل أو غموض أو قلما وجد حق دون آن يشوهه باطل و ألا لما اضطر صاحباه اللجوء إلى إزالة الالتباس عنه وكشف الحقيقة عن طريق القضاء، وإن طريق الإيضاح وكشف الحقيقة ليس مفروشا بالورود بل هو طريقا وعرا على سالكيه ويتطلب صبرا وعزيمة وثباتا على الحق حتى تنجلي الغمة، ولا يتأتى ذلك لصاحب الحق إلا إذا عرض وقائع دعواه عرض الراوي الماهر وقدم مرافعته خطيبا مقتدرا مدركا أن بيان الحق وحده لا يكفي بل لابد معه من مخاطبة وجدان المحكمة بلغة قوية الأثر عظيمة الوقع، تحرك عقلها لفهم قضيتك وتوجه قراراتها نحو الصواب حتى لا يُظلم موكلك و لا يتأتى لك ذلك ما لم تكن مرافعتك حينها مؤثرة ونافذة إلى العقل قبل القلب أُسست على منهجا علمياً قوامه فهماً دقيقاً لموضوع الدعوى.

فن و آداب المرافعة: (الجزء الثاني والأخير)

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،،
سادسا: مواصلة لحديثي عن فن وآداب المرافعة في الجزء الأول من هذا المقال أبدأ تكملته، بأن المرافعة ينبغي ألا تتجاوز موضوعها وأهدافها بوصفها مصباحا ينير للقاضي الطريق الصحيح لتحقيق مبادئ العدل والإنصاف فلا يخرج بها المحامي عن حيز الموضوع بقدر الإمكان، والذي ينبغي التنبيه إليه هنا هو كيفية أداء المرافعة حيث يلاحظ إهمال بعض من الزملاء لأهمية طريقة وأسلوب الأداء فالمرافعة مع أنها علم فإن طريقة أدائها فن، من جهله فاته حظ عظيم ويتجلى ذلك من خلال الخطاء الذي يقع فيه الكثير من المحامين برفع الصوت في قاعة المحكمة لدرجة تصل إلى حد الصراخ وكأنه يُنذر جيشا من عدوه صبحكم ومّساكم مع أن الحكمة تقول ليس بالصراخ تسترد الحقوق بل على العكس من ذلك فكلما علا صوتك واشتد صراخك دل ذلك على انعدام الحجة وبطلان دعوتك، فالأشياء الفارغة عادة ما تُحدث جلبة وضجيجا، كما أن الصوت المنخفض جدا يعد عيبا في طريقة الأداء وذلك لأن الحكمة تقول أن الصوت الذي لا يُسمع لا يؤثر، فخير الأمور أوسطها ولتجعل الصوت على درجات يرتفع شيئا قليلا في موضعه مثال ذلك عند تقديم البينات وشرحها وعند عرض النقاط الجوهرية مع الأسانيد والدفوع القانونية فإنه يسوغ حينها إبرازها بصوت يترك أثرا في السامع، وينخفض الصوت شيئا قليلا في موضعه لكي تمنح المحكمة فرصة لتعطي سردك قدرا من التأمل والتدبر،فكلا بحسبه لأن حٌسن الإلقاء وطريقة الأداء فنا في حد ذاته. 
سابعا: أدب المخاطبة وهو أسلوب يحفظ لكلا مقامه فلا يخل بهيبة المحكمة ولا بوقارها بل لابد من إظهار أدبه وحُسن أسلوبه في مخاطبتها فلا يسخر من خصمه ولا يتهكم من دفوعه ولا ينتهك خصوصية الشهود بأسئلة طابعها الإحراج وعدم التقدير والاحترام ولا يزدريهم أو يرعبهم ونحو ذلك لأن الغرض من الخصومة والهدف المنشود منها هو كشف الحقيقة وصولا لتحقيق العدالة وهي غاية لا تستقيم مع تلك التصرفات، بل إن هذا الأسلوب يستعدي المحكمة لأنه يستفزها لكونه تعبيرا عن عدم أحترامها وإهدارا لهيبتها ووقارها وهي أمور لابد منها حتى تتمكن من القيام بدورها المنوط بها في إرساء دعائم العدل والحكم بين الناس بالقسط، ويدخل في أدب المخاطبة أسلوب اختيار الألفاظ وهو أمر مهم للغاية فللكلمة مدلولها ووقعها على النفس فالألفاظ والعبارات القوية تلفت انتباه السامعين وتؤثر تأثيرا واضحا على القضاة لأنها تأثر العقول والألباب معا،فسلاسة الأسلوب ودقة العبارة وبساطتها دون تكلف مخل وحُسن البيان دون أطناب يٌمل يعد صورة فنية جمالية أو هو لوحة فنية فنانها يرسم لا بريشة يحملها في يده وإنما بكلمة تجري على لسانه فالرسم فيها يكون بالكلمات.
ثامنا: اجتناب أساليب التذلل والضعف والتوسل و الاستجداء: لا تكتسب المرافعة قوتها من الحق الذي يدافع عنه فقط بل إن للكلمة تأثيرها وطريقة وأسلوب الأداء وقعها وغير ذلك من مؤثرات،ولما كان الحال كذلك فإنه لا يخفى على ذي بال ما للكلمة من أهمية باعتبارها الأداة التي يعبر بها المحامي عن فكرته ولبعض الكلمات والعبارات مدلولا سيئا لا أقول على المرافعة فحسب بل هي تقدح حتى في مهنة المحاماة لأن هذه الكلمات والعبارات تسلب منها عناصر القوة التي تضمنتها فكان لزاما على كل محامي إجتناب مثل هذه الأساليب ومن تلك الأساليب ما يُعرف بأسلوب التذلل والاستجداء ويقصد بالتذلل الخضوع ويقصد بالاستِجدَاءَ : طَلَبَ المَعُونَةِ وِ الاستِعطَاءِ، أما التوسل فهو التقرب بشيء وينبغي للمحامي أن يترفع في مرافعته عن هذه الأساليب التي في مجملها تعبر عن الضعف وانعدام الجرأة، وتجلب الازدراء والاحتقار والامتهان وبلا شك هي أمور لا تليق بالعامة من الناس فكيف بمن نصب نفسه في مقام الدفاع عن الحق وتبنى فكرة العدالة كمنهاج حياة، فلو أن كل محامي لجأ إلى هذه الأساليب والكلمات الفجة فماذا ترك إذا للسوقة والغوغاء فلابد لكل محامي أن يربأ بنفسه في مرافعاته بل وفي كل شئون حياته من مثل هذه الأساليب التي لا تليق بمثله فضلا عن يسبغ بها هذه المهنة الشريفة التي لا مجال فيها للإذلال أو الامتهان أو الاحتقار والازدراء، ولا يتعارض ذلك مع يتطرق له المحامي في مرافعته من الطرق على وتر العاطفة والإنسانية أو طلب الرحمة والشفقة بموكله وتقدير ظرفه لتأخذ المحكمة بأسباب التخفيف في العقاب خاصة إذا تعين الأخذ بها فهذه الجوانب تختلف عن أساليب التذلل والاستجداء، فالبون شاسع بين هذه وتلك، ولكي تسمو مرافعة المحامي وتعلو حجته وبرهانه وحُسن بيانه لابد من أجتناب مثل هذه الأساليب في رحلة الكشف عن الحقيقة الغائبة وصولا إلى شاطئ العدالة.
ولا يفوتني هنا التنبيه إلى أمر أرى أنه من الأهمية بمكان وهو: ينبغي ألا تكون الغاية من المرافعة، سواء أكانت دفاعا عن حق أو نفيا لتهمة منصبة فقط على إقناع القاضي بوجهة نظرك وجذبه إلى فكرتك كما هو حال جُّل المحامين مقدمين إستمالة المحكمة على إبراز الحقيقة الغائبة بل يجب إن تكون غايتك هي الكشف عن الحقيقة بالصورة اللائقة لأنك إن أقتصرت جهدك على إقناع القاضي بفكرتك فقط فقد تنجح في ذلك فهو في نهاية المطاف بشر يخطئ ويُصيب وقد تكون مخطئ فيما بينت وتكون عندها معينا على الظلم مخاصما بالباطل وذلك من أسوأ ما يفعله المحامين، و لكن أجعل هدفك هو إظهار الحقيقة وبذلك تؤدي واجبك وترضي ربك وتريح ضميرك وتعين القاضي على الحكم الصواب وإن أخطأت فسوف يسعفك القاضي بتدارك الخطأ من خلال حكمه فأنت لست معنيا بقناعة القاضي فقط بل ملزم بإبراز الحقيقة على وجهها، فالمحاماة ليست فقط في القدرة على إقناع المحكمة أو إستمالتها إلى فكرتك التي تتبناها كما يتوهمها الكثيرين وإنما هي في القدرة على الإقناع بالحقيقة الغائبة بحُسن إيضاح وبيان. وإن كان هذا الخط لا يسلكه الكثير من المحامين إلا أنه الصواب بل هو الواجب وهو الذي تكسب به هذه المهنة الشرف والمنزلة الرفيعة فلا تستوحش بقلة السالكين واستعن بالله (أليس الله بكاف عبده).
ختاما إن المرافعة علم كما أنها فن علم من حيث الإلمام بالعلوم القانونية والنظم واللوائح وبعض من العلوم الأخرى وفنا من حيث المهارة في الاستفادة من الأدلة وحُسن توظيفها في الدعوى بشكل يجعلها مؤثرة ومقبولة، و من حيث قوة البيان وحسن الإيضاح بلغة رصينة وعبارات سهلة ومؤثرة بكل ما تحمله من دلالات وإشارات وبلاغة، والحديث عن فن و أدب المرافعة لهو حديث شيق ذو شجون كما يقول أهل الأدب ولا يمكن بحال لحديث بهذه الأوصاف أن يتم اختصاره والتعليق عليه في مقال أو صفحات، ولا أقول أني قد أحرزت مادته وأحطت بكل جوانبه ولكن هي إشارات أردت منها إنارة بعض من عرصات هذا الطريق لزملائي المحامين لتكون لهم خير هادي ومعين، و يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.

الثقافة القانونية هل هي ضرورة أم ترفا معرفيا ..؟

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... 
الحديث عن الثقافة القانونية كضرورة لأفراد المجتمع ليس حديثا مبتكرا أو جديدا فالكتابات حول هذا الموضوع مستفيضة ولست أول من يكتب عن أهمية الثقافة القانونية ولست أخر من نبه إليها. وربما الضرورة أو الحاجة الملّحة والمتزايدة للثقافة القانونية هي الدافع والمحفز لي على هذه الوقفات وكتابة هذه الإشارات. وكما يقال أن أهمية الأشياء تنبع من الحاجة إليها ولعل مما شجعني على الكتابة في هذا الموضوع حاجتنا نحن المحامون وأهل القانون ابتداء للإلمام بالثقافة الشاملة أولا ثم الثقافة القانونية والحقوقية ثانيا وقد يتعجب البعض من إدخال أهل القانون في هذا الباب لكونهم هم أهل العلم والمعرفة بالقانون لكن الواقع يثبت أن كثيرا من أهل القانون هم في أمس الحاجة لمعرفة هذا القانون إذ الغاية من دراسة القانون ليست أحتراف المهن القانونية واعتلاء المراكز المرموقة أو تحقيق الشهرة أو الثراء المادي وإنما هي في قيمة الدفاع عن الحق ونصرته وعدم إعانة الباطل وتأييده وتقديم العون القانوني لمن يستحقه وإعلاء قيم الحق والفضيلة لكونها مبادئ دعت إليها الشرائع السماوية وتتطلع إليها البشرية جمعا وتلك هي جوهر الثقافة القانونية التي ينبغي أن يتعلمها دراسي الشريعة والقانون ابتداء. والثقافة القانونية أو الحقوقية تعد ضرورة حياتية لكل أفراد المجتمع والذي لا خلاف عليه أن حاجة الناس إلى العلم والمعرفة عموما حاجة ضرورية تكاد لا تنتهي إلا بموت الإنسان وذلك لأن العلم والمعرفة من أسباب تيسير الحياة وسبل العيش في هذه البسيطة فبالعلم والمعرفة تتذلل كثير من الصعاب والعوائق وبالعلم تسهل الحياة وبالعلم يتحقق التوازن في المجتمع وتنتظم شئونه وقد لا أكون مغاليا إن قلت أن بالعلم تدرك كنه وحقيقة هذه الحياة الدنيا. و لا يخرج معنى الثقافة القانونية عن إدراك محدود للقوانين المنظمة لشئون الناس لمعرفة حدود المسئولية وللنأي بالنفس و تجنيبها من الوقوع تحت طائلة القانون بما يرتبه عليها من عقاب وبمعناها البسيط لا تتعدى معرفة الفرد لما له من حقوق وما عليه من واجبات ولا يخرج هذا المعنى عن الفهم الكامل وهو الوعي التام بحدود مسئولية الفرد تجاه مجتمعه بشأن ما ينشأ بينه والآخرين من علاقات وتعاملات متبادلة. ولما كان القانون شكلا من أشكال تنظيم الحياة حيث يضع قواعد التعامل بين الناس لتنتظم حياتهم في مجتمعاتهم كانت معرفته والإلمام به كثقافة تعد عاملا مهما للأفراد لتيسير شئونهم الحياتية وتنظيمها بصورة تنسجم مع إيقاع عصرهم وتجنبهم المخاطر والأخطاء الفادحة وصولا إلى تحقيق قدرا من الاستقرار في حياتهم ومجتمعاتهم، يخطئ البعض في فهم الثقافة القانونية وينظر إليها على أنها ليست ذات أهمية وليست من الأمور الضرورية بل ينظر إليها على أنها ترفا معرفيا ولا شك أنه فهم غير سليم وذلك لكون أن الثقافة القانونية هي نوع من أنواع المعرفة والمعرفة بالعلوم المباحة تفيد أكثر ولا تضر ويكفي بالثقافة القانونية نفعا لأفراد المجتمع بأنها عاملا مساعدا في معرفة حدود المسئولية والواجبات وما يجعله تحت طائلة القانون وما ينأى به من المحاسبة والمساءلة والعقاب ويكفي بالثقافة القانونية أهمية أن المبدأ القانوني السائد في كل القوانين " الجهل بالقانون لا يعفي من الوقوع تحت طائلته" يجعل منها ضرورة ملحة في حياة الأفراد والمجتمعات. لأن الثقافة القانونية تحمل الناس على احترام القانون ، كذلك للثقافة القانونية أثرا واضحا في توفير الجهد والوقت والمال خاصة في حالات رفع الدعاوى ضد الآخرين فرفع الدعوى إلى غير جهة الاختصاص يعد من قلة الثقافة القانونية ومما يزعج ويرهق الجهات والدوائر الحكومية لذلك فإن العلم والمعرفة بالقانون تثمر بنتائج إيجابية من خلال تقليل عدد القضايا بسبب قلة المنازعات الذي ينعكس إيجابا في حفظ أوقات السلطات والجهات القضائية وهو ما يعرف بعلم اقتصاديات الجريمة. فبالثقافة القانونية يستطيع الفرد تسيير شئون حياته على نحو سليم ليعيش حياة كريمة، و من فوائـــد الثقافة القانونية أنها ترفع من مستويات الوعي بين الأفراد وهي عامل مساعد في تهذيب السلوك و بالجملة أنها تدفع بأساليب الرقي في التعامل من خلال ترسيخ ثقافة أحترام الآخر، وبالثقافة القانونية ينخفض معدل ارتكاب الجريمة وكذلك المخالفات المدنية وتقل المخالفات المرورية وتحترم المرافق العامة، ويحافظ الناس على ممتلكات الدولة ومقدرتها، و تتسع دائرة النظافة في المجتمع من خلال التزام الأفراد بعدم رمي وإلقاء المخلفات في الشوارع والطرقات، والثقافة القانونية تزيد من نسبة الالتزام الطوعي بأحكام القانون وتقلل من ظاهرة التحايل عليه باحترام الناس القانون لا خشية العقاب وإنما لأنه أفضل وسيلة لتحقيق هدف الأفراد وتنظيم شئونهم الحياتية ، وبالثقافة القانونية يتحقق ترسيخ فكرة العيش في جماعة واحترام حقوق الغير، و يتحقق بها استقرار العدالة الاجتماعية مما يؤدي إلى السلام الاجتماعي الشامل الذي تنشده كل المجتمعات. والناظر لمجتمعاتنا الإسلامية والعربية يجد أن مستوى الثقافة القانونية فيها ضعيفا جدا بالقدر الذي يجعلك تظن أنها منعدمة ، فحالات عدم توثيق الاتفاقات والعقود بين الأفراد وعدم كتابة وتوثيق الدين من قلة الوعي والثقافة القانونية بل من عدم الفقه بالدين، وعدم اتخاذ محامي للأسرة يعد من انعدام الوعي الثقافي بالقانون، وتقليل أفراد المجتمع لدور المحامي في الحياة العامة مظهر من مظاهر ضعف الثقافة القانونية واستسهال السلوك غير المنضبط على إيقاع القوانين من مظاهر ضعف الثقافة القانونية بل و يصادم كل مفاهيم الرقي والتطور البشري حيث إن مما أشار إليه كثير من المفكرون في العالم الإسلامي والعربي كسبب للتردي بطلان نفاذ القانون في مجتمعاتنا، سواء كان ذلك عن طريق الفساد أو بتغليب العادات والتقاليد البالية على القانون ولا شك أن طغيان العادات والتقاليد على القانون مظهر من مظاهر ضعف الوعي والثقافة القانونية رغما عن أن هذه العادات والتقاليد التي استقرت في وجدان الكثير من الناس وأصبحت تسير حياتهم وتسيطر على قلوبهم لا تخرج عن كونها شكل من أشكال القوانين التي تراضى عليها أسلافهم حتى صارت ملزمة لهم وهم تبعا لهم. فالخروج عن القانون لا يعد مظهرا بطوليا ولا يحسب لصاحبه بالذكاء ولا يعتبر من الفطنة والحكمة بل إن التفسير والتعبير الصحيح له هو (جريمة) وتردي وانحراف ،وعدم إدراك هذا الفهم في حد ذاته يعد من مظاهر ضعف الثقافة القانونية. إن النظر إلى القوانين على أنها مجموعة من القواعد مفروضة علينا قهرا يعد من مظاهر ضعف الثقافة القانوني لأن ذلك جهل في إدراك الغاية من هذه القوانين التي هي تنظيم شئون الناس وتيسير حياتهم وحفظ حقوقهم. وتبرز أهمية الثقافة القانونية وتزداد الحاجة إليها كلما اتخذت الحياة شكلا من أشكال الرقي و التطور والمدنية حيث تتشعب فيها نواحي الحياة وتتداخل مع موجات الرقي والحداثة. إن انعدام الثقافة قانونية يصبغ كثيرا من تعاملات الأفراد بالسلبية و يترتب عليه فقدانه الحق الثابت. كما أن ثقافة احترام القانون من دلائل الرقي والتطور في المجتمعات لذلك تجد أن في الغرب وبعض الدول الأوربية تعتبر الثقافة القانونية ذات أهمية بالغة لدرجة إدخالها ضمن مقررات الدراسة بغية تعليم الناشئة مفاهيم وقيم الحق. وحتى لا يكون حديثي عن الثقافة القانونية فيه من الإسراف في تمجيد القانون وحتى لا يفٌهم من حديثي هذا أن في القانون وحده حلا لجميع مشاكل البشرية لابد من الإشارة و التنبيه إلى أن الفضل كل الفضل في تعلم الآداب وتهذيب الأخلاق وقواعد التعامل مع الغير وجل ما ذكرته من آداب وقيم تعد ثقافة قانونية لكنها لا تكاد تخرج عن ديننا الحيف بل إن كل ما تدعو إليه القوانين من مبادئ وقيم ومثل عليا ارتضتها البشرية وتطلع إليها تجد أن مردها إلى دين الإسلام ففي قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) تندرج كل قيم حب الخير واحترام حقوق الغير والعدل والمساواة في هذا التوجيه النبوي الأمر الذي يجعلنا نفخر بأننا مسلمين لأننا أصحاب منهج ورسالة تحمل في طياتها كل عوامل النهضة والرقي وكل القيم والمثل والأخلاق والعدل والسلام ( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)).

حينها فقط يعد المحامي أستاذا :

الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على نبيه وصفوة خلقه،،، وبعــد
لقد اعتاد الناس على إطلاق لقب (الأستاذ) على كل من يشتغل بالمحاماة من رجال القانون احتراما و تقديرا وتشريفا له لأهمية عمله وشرف مهنته، ولما يتصف به المحامي من سعة الإطلاع وتبحره في العلوم، فالافتراض السائد أن المحاماة هي مهنة الشخص واسع الإطلاع غزير الثقافة وافر العلم له معرفة بعدد كبير من العلوم كالعلوم الاجتماعية كعلم الاجتماع وعلم النفس وعلوم اللغة والمنطق و الشريعة الإسلامية الغراء وغيرها من العلوم الأخرى فلا يقف علمه على تمكنه من علم القانون واللوائح و الأنظمة ومتابعة تطوراتها وتحديثاتها بل له هو موسوعة في المعرفة وبحرا في العلوم، بالتالي فإنه من غير اللائق بالمحامي أن يخرج عن هذا التصور العام لمهنته، فالمحامي قليل الثقافة العامة عديم الخبرة ضعيف اللغة الفاقد للمعرفة بالأدب والمنطق قليل العلم قليل الإطلاع ، غير جدير بأن يحمل لقب (الأستاذ) بل إن كل رجال القانون لا يحق لهم أن يحملوا هذا اللقب وهذا الشرف إذا قصرت معرفتهم و معلوماتهم على القوانين واللوائح فقط دون أن يتأسسوا في بحار العلم ودون أن يكتسبوا ألوانا من المعارف مع تخلقهم بأخلاق دين الإسلام، فإن لم يكونوا كذلك فلقب(الأستاذ) في حقهم جرم كبير. لأن هذا اللقب (أستاذ) ليس لفظا أو كلمة عادية بل هو تشريف فمعنى كلمة (أستاذ) هو (الماهر بالشيء) وهو المعلم ولها استخدامات أخرى، وإن كان أصل الكلمة فارسي ولا صلة له باللغة العربية و لم يرِد ذكره في شيءٍ من شعر الجاهليين ولا في المعاجم ولا يشبه لغة العرب التي لا يجتمع فيها السين والذال في كلمة مثال (سَذُوم والسَّميذ والسَّاذَج) لكن تم تعريب هذا اللقب وشاع استعماله عند العرب وأشتهر في استخداماتهم، ومن شدة اهتمامهم وعنايتهم بهذا اللقب ذُكر عن بعضهم أنه لا يستحق أن يلقب بهذا اللقب إلا من جمع من العلوم ثمانية عشر علما ، و قيل اثني عشر علما ، منها ‏‎frown‎‏ رمز تعبيري النحو والصرف والبيان والبديع والمعاني والآداب والمنطق والكلام والهيئة وأصول الفقه والتفسير والحديث )، وعلى هذا النحو يتبين أهمية هذا اللقب ومنزلته وأن المراد منه غزارة العلم وسعة الإطلاع والتبحر في شتى العلوم.
بالطبع ليس كل أستاذ محامي كما أنه ليس كل محاميا أستاذ بل ينبغي لكل محامي أن يكون أستاذا لأن طابع مهنته يتطلب ذلك، ولا يتأتى له ذلك إلا من خلال تطوير ذاته وتنمية قدراته ومواهبه بسعة إطلاعه واستمرار بحثه فالمحاماة هي مهنة البحث المستمر والمتجدد الذي يتوقف على القوانين واللوائح فقط كما أن هذا البحث لا يتوقف إلا باعتزال هذه المهنة فمتى ما صرت محاميا أصبحت باحثا ليس ككل باحث بل باحث يتميز بعمق التأمل ودقة النظر ينظر إلى الأشياء بنظرة الماهر الحاذق الذي له في كل مسألة أو نازلة وقفة تأمل.
فليس أستاذا من حصر نفسه فقط في معرفة القوانين واللوائح وإن كانت من ضروريات المهنة ، وليس أستاذا من استكان إتكأ على شهادة القانون وأغلق كل باب للعلم والمعرفة، وليس أستاذا من ضعفت همته وخارقت عزيمته وأقعده الكسل عن التبحر في العلوم بمدامة القراءة والإطلاع لأن العلم لا حد لساحله ومن ترقى في بحر العلوم أكسبه ذلك ملكات ومهارات وبعض من الفنون وهي أمور من الأهمية بمكان لهذه المهنة، وليس أستاذا من لم يتفقه في أحكام الشريعة الإسلامية الغراء لكونها أساس دينه وعقيدته ولا تنفصل القوانين التي تعتمد على التطلع إلى حٌسن الأخلاق والتهذيب المنشود والقدوة الحسنة والفطرة السليمة عن الدين فكان لزاما من التفقه فيه، فليس كافي دراسة الشريعة الإسلامية في كليات الحقوق، بل لابد للمحامي من معرفة القدر اللازم من أحكام دينه بالقدر الذي تستقيم به حياته وتصح به عقيدته فللدفاع عن الحق قيمة أكبر ومعنى أسمى مع سلامة المعتقد لا يعرفها من فسدت عقيدته وأختل توحيده، وليس أستاذا من لم تُعلمه أخلاق ديننا الحنيف أحترام العقود والوفاء بالعهود والالتزام بواجب الوكالة تجاه الموكلين، إن ما يقوم به المحامي من عمل هو عمل علمي ومنهجي والعلم والمنهجية يتطلبان التخطيط والدقة وليس أستاذا من لم يكن في أدائه العملي على قدر من العلم وعلى قدر من التخطيط والدقة، وليس أستاذا من أتقن القانون فقط ولم يكن موهوبا بعدة أشياء ويتقن بعض المهارات لأن المحاماة ليست قاصرة على إجادة فنا واحدا من الفنون بل هي فن التعامل مع كافة نواحي الحياة، وليس أستاذا من لم يتخلق بأخلاق الشرع الحنيف الذي دل على مكارم الأخلاق وحث على الكرم المروءة والنخوة و النجدة وإغاثة الملهوف نصرة المظلوم وهي أساس وقوام هذه المهنة وما شرفت مهنة المحاماة إلا بهذه الفضائل وهذه القيم، وليس أستاذا من لم يكن أسلوبه قائما ومعتمدا على اللفظ الجميل والأدب الرفيع بسحر البلاغة والبيان فمقام العدالة والدفاع عن الحق أجل وأرفع من أن يلطخ بسيئ الألفاظ وقبيح الكلام. وليس أستاذا من كان عقله فارغا خاويا لا يُحسن من الأمور شيئا إلا الجدال في الخصومة فمثل هذا المحامي ضرره على موكله وقضيته أكبر من نفعه وما أكثر هذا الصنف من المحامين الذي جُّل فهمه وكل علمه وفنه ومهارته أن يقلب الحق باطلا والباطل حقا بطرق ملتوية.
فما أروع المحامي الذي جمع الفضائل خصالا تزيينه وحاز من العلم القدر الذي ينفعه و يٌشرفه و يٌعلي قدره فالعلم سيد الفضائل بلا شك يأسر الألباب ويحوز على كل تقدير وإعجاب.
الذي أريده من هذا المقال ليس بيان أن لقب (أستاذ) لا يستحقه أي محامي ليس هذا المعنى الضيق فحسب وإن كان العنوان قد أشار إليه لكني أرمي إلى أبعد من ذلك فالذي أريده أن يرسخ في الأذهان ينبغي لكل محامي أن يكون جديرا بحمل هذا اللقب المشّرف وذلك من خلال كسب مزيدا من العلوم والمعارف مع سعة الإطلاع وتنمية ثقافته ومهارته ومواهبه حتى يكون خليقاً بهذا اللقب جديرا بحمله،لأن المحامي ضعيف الثقافة قليل البحث عديم الإطلاع قليل العلم والمعرفة ليس هو النموذج الذي أريد به حمل هذا اللقب وأداء هذه الرسالة ،فلا ينبغي لمثله أن يتشرف بحمل هذا اللقب، لأن هذا اللقب عندما أطلق على المحامي ليس من فراغ و إنما لما يتمتع به المحامي من علم ومعرفة وتبحر في شتى أنواع العلوم فالمحامي إذا ترافع في قضية طبية حسبته أثناء مرافعته طبيبا حاذقا وإن كانت قضيته التي يترافع فيها في مجال الهندسة تجد بيانه وتفصيله فيها يجعلك تجزم أن الذي يترافع مهندسا ماهرا، وإن كان دفاعه عن أي فن من الفنون حسبته من أهله لكمال علمه وإحاطته بدقائقه، وهكذا تتنوع مواهبه ويبرز علمه بطول باع وسعة إطلاع في كل ما يتناوله، فكانت المحصلة النهائية أنه قد أكتسب من كل هذه العلوم آدابا وغرست فيه قيما وأخلاقا.
ولتكن أيها المحامي على قدر التحدي بحرا في العلوم سلطانا في شتى أنواع الفنون من خطابة وحُسن إلقاء وأن تكون ذو قدرة ومهارة في الإقناع وذو علم زاخر يمكنك من الترجيح بين الأشياء والقدرة على التحليل والاستنباط . فليس جهل العامة بالقانون عيبا ولكن المعيب أن يكون المحامي جاهلا، إن أجمل ما قاله الفيلسوف الفرنسي فولتير: (إن المحامي الواسع الإطلاع هو أسمى من أولئك الذين اشتروا الضلالة بالمال، وإنه المستشار العظيم الصالح الذي يجلب النفع للمظلوم والمحروم، أكثر مما يجلبه لنفسه).

حُسنَ الإصغاء ذلك الأدب الذي فُقَد: 
هي دعـــــــــوة لإتقان فن الحوار ...
الحمد لله وحـــــــده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،،
الناظر لمجالسنا وأحاديثنا في هذه المجالس يأسف كثيرا وتتملكه الحسرات والعبرات على حالنا و ما نحن عليه من فقد لهذه القيمة وهذا الأدب والذوق الرفيع فالإصغاء الجيد يدل على كمال الذّوق وحُسن الأدب، فكما يقال: (إن بعض القول فن .. فاجعل الإصغاء فناً) لأن الإصغاء رديف الصمت والصمت يٌعلم حُسن الاستماع، والاستماع الجيد يٌكسب ملكة الإلغاء الجيد، فالعلم بالتعلم، فإذا كان الصمت في ذاته علم لكنه أصعب من علم الكلام فكيف بالإصغاء الذي هو أبلغ من الصمت وأعلى درجة منه.
و المسلمون أولى الناس بإجادة هذا الفن والأدب الرفيع لأنهم أمـــة رسولها قدوة في حُسن الإصغاء وأدب الاستماع وحُسن القول وطيب الكلام، فهم أمة تتربى على حُسن الإصغاء وأدب الإستماع وتنشأ على العلم وتدعوا إلى الله بأدب الحوار، لذلك كان أبلغ في الأسى أن يُفتقد مثل هذا الأدب بين المسلمين فلو كنا أمة جاهلة أو كنا حيارى نتهادى بين أمواج الجهل و الضلال كان أهون أن يفتقد هذا الأدب الرفيع عندنا ففاقد الشيء لا يعطيه، لكننا أمة تتلو (( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )) لجدير بنا أن نتخلق بهذا الأدب ونتربى عليه، وإذا فٌقد حُسن الإصغاء بيننا أولى بنا أن نُعزي أنفسنا على هذا الفقد الجلل والخطب العظيم.
ولحُسن الإصغاء تأثيرا بالغا في الحياة و في العقل وفي السلوك والخطاب بل وحتى في الدين، أما تأثيره في الحياة فالذي لا يجيد حُسن الإصغاء يفوته من الخير الكثير من الأعمال الخيرة لأن حُسن الإنصاتِ مِن أعظمِ وسائل شهودِ المنافع، ومن أعظم وسائل تجنُّب الجدال المذموم والوقوع في الذلل، وإذا أراد المرء تبليغ دين الله لزمه أولا هذا الأدب لأنه خير وسيلة للحوار فكما هو معلوم أن الحُجَّةَ وحدها ليسَت كافيةً لإقناع الناس وإيصال الحق إليهم بل لابد من حُسن الخُلق والقدوة الحسنة واللين في الخطاب وكل ذلك قد لا يتحقق للداعي دون حُسن الإنصاتِ لأن إقامة الحُجَّةَ بالعقل والمنطق فقط دون حوار يتخلله أدب الإصغاء لا يؤتي ثمارا لما في ذلك من جفاء ((وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ))، لأن حُسن الإنصاتِ وأدَبُ الاستماع هو مِن أعظم ما يَبني العلاقات بين الأفراد، لذلك عدا بعضهم هذا الأدب لما فيه من صفات حسنة كريمة كحسن الخلق و كمال العلم والأدب عده من المروءة فقالو:( أن من أدب المروءة حسن إصغاء الرجل لمن يحدثه)، وروي عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : (لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين : منصت واع أو متكلم عالم). وقد أثبت الواقع والتجربة أنه لكي تكون متحدثا لبقا لأبد أن تكون مستمعا جيدا أي إتقان فن الإصغاء.
وحُسن الإصغاء أدب أصبح عزيز الوجود وغريبا في هذه الأزمان، ومن أتقن هذا الفن وتحلى بهذا الأدب فقد أحرز قصبات السبق في كل مضمار، وقد أثبتت التجربة أن كل تحلى بهذا الفن حسُن في الناس أدبه ولطفت شمائله وكان ذلك باعثا على تقدمه على أهل زمانه. وإن برهانه غير محتاج إلى إقامة دليل، ويكفي حُسن الإصغاء أنه من الأدب الذي إن أطنبت في وصفه فهو فوق الوصف.
وأدب الإصغاء ليس أمرا صعبا ولا هو بالأمر بالغ التعقيد، فكما هو معلوم ( أن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم) فإذا أختلفت آرائنا فلا أقل من الحفاظ على تألف قلوبنا لأن أختلاف الأراء مع أفتقاد حُسنَ الإصغاء يٌعمق الجفوة و يؤدي إلى اختلاف القلوب فتصبح متنافرة وذلك لما يسببه عدم الإصغاء من توريث الكراهية والبغضاء والشحناء، والواقع يؤكد أنه إذا أردت أن تفتح عقل إنسان فأفتح قلبه أوّلاً وهذا يعني أنه لكي يستمع إلى ما تدعوا إليه أو إلى ما تتبناه من فكرة فلابد من إزالة ما يخالط قلبه من بغضاء أو غضب وغيرها مما قد يحدثه عدم الإصغاء الجيد فالكراهية و البغضاء تكون سدا منيعا أمام قبول الفكرة لأنها تسُد القلب والأذن معا.
وليس حُسن الإصغاء في إمهالك المتلكم حتى يفضي إليك بحديثه فحسب بل من حُسن الإصغاء أيضا الإقبال بالوجه و النظر لأن الإصغاء يكون بالأذن و طرف العين و حضور القلب و إشراقة الوجه، يقول ابن عباس - رضي الله عنهما في "عيون الأخبار وفنون الاثار فى سيرة النبى المختار": (( لجليسي عليَّ ثلاثٌ : أن أَرميه بطَرفي إذا أقبل و أن أُوِّسعَ له في الَمجلس إذا جلس , و أن أصغي إليه إذا تحدث ))، فأنظر إلى حبر الأمة وترجمان القرآن وتأمل. 
ومن أدب الإصغاء عدم الإلتفات عن المتكلم، بل إقبل عليه بوجهك ووجه إليه نظرك، يقول الحسن البصري رحمه الله في الحديث المقطوع ( حدثوا الناس مااقبلوا عليكم بوجوهكم فإذا التفتوا فاعلموا ان لهم حاجات ) اخرجه الدارمي.
ومن أدب الإصغاء إذا كان المتكلم يكرر حديثا سبق لك أن سمعته فلا تُسابقه و تفتحهُ عليه ولا تشاركه فيه لأنه يصرف عنه الوجوه التي كانت تستمع إليه وهو من التشويش على المتكلم وهو من سوء الأدب، يقول الأحنف : [ إن الرجل يحدثني بحديث أعرفه من قبل أن تلده أمه فأصغي إليه حتى ينتهي منه وأظهر له أنه أسمعه لأول مرة] ، أنظر إلى الأدب و كمال الذوق. ومن ذلك أيضا ما أنشده الخطيب البغدادي رحمه الله في هذا المقام 
ولا تشارك في الحديث أهلهُ *** و إن عرفتَ أصلهُ و فرعهُ
ومن أدب الإصغاء إذا بدء المتكلم حديثا فلا تقاطعه حتى يُكمّل لأن من حُسن الاستماع امهال المتكلم حتى يُكمل حديثه فإن مقاطعة الحديث خفة عقل وسوء أدب، قال الحسن البصري: ( إذا جالست فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول , و تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن القول , و لا تقطع على أحد حديثه).
إن للمجالس آدابا وأخلاقا تُزينها ** فإذا جلست لحديث فكــــن منصتا متأدبـــا
أدب الحديث بحسن السمع قد يتحقق ** وقطع الحديث في المجالس ليس تهذبــا

هذا ما نطق به اللسان وخطه البنان مزخرفا بأوضح بيان فإن أصبت فبفضل الكريم المنان وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان..

لغصن المُورِق لما يحتاجه كل محامي متدرب: - (الجزء الأول)

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،، وبعد ..
أردت من هذه المقالة المختصرة أن تكون بحق غصنا مورقاً ومورداً عذباً لينهل منه كل طالب علم ومعرفة في مجال القانون يلتمس في بداية مشواره العملي الخبرة والمعلومة ويبتغي التوفيق والسداد في مستقبله وحياته العملية، ليجد فيه بغيته وما يسد حاجته ويحقق أمنيته، والملاحظ في عنوان هذا المقال أنني قد صغته على وتيرة وأسلوب السلف في الكتابة والتأليف حيث كانوا يرصعون كتاباتهم ويزينونها بسجع الجُّمل ببليغ العبارات ولطيف الكلمات وما ذاك إلا لغزارة علمهم وحُسن فهمهم، وشد انتباه القراء لكتبهم، وما أردته من هذه العودة التاريخية بهذا العنوان تذكير أخوتي وزملائي من المحامين المتدربين أنه لابد من أن يوافق حالهم حال أسلافهم في العلم والأمانة والورع وشدة الخوف من الله لأنهم أهل رسالة وأمانة قبل أن يكونوا أرباب مهنة و وظيفة، ولأن المحامين أهل علم قبل أن يكونوا أهل قانون ولأنهم أهل بحث وتعلم مستمر، فقد ناسب مسمى عنوان هذا المقال على طريقة السلف حالهم تذكيرا لهم بأسلافهم الخيرين بغية العلماء وأئمة الفضلاء ذوي القدر العظيم والفهم المستقيم والعقل السليم. 
وقد بدا لي قبل الخوض في احتياج المحامي المتدرب الدندنة حول بعض العوائق التي تواجه وذلك لأجل الربط بين المشكلة والحل.
ولعل من أبرز المشاكل التي تواجه المحامي المتدرب والتي تعد مستمرة معه يوميا :أنه يفاجأ بأن دوره في البداية يقتصر على تأدية أعمال سهلة ميسورة ليس فيها ما يسمعه عن المحاماة من صولات وجولات المحامين وعن الحجج وإفحام الخصوم وعن مهارات الترافع ومناقشة الشهود والخبراء، فهو بعيدا عن ذلك لأنه يقوم إما بتقديم المذكرات وتأجيل بعض الجلسات أو بمراجعة الشرطة في فتح البلاغات وغيرها من النيابة والدوائر الحكومية الأخرى فدوره دور ثانوي بسيط يقتصر على أمور بسيطة يقوم بتأديتها أي شخص دون أن يكتسب تأهيلا مسبقا أو أي مهارات قانونية تؤهله لذلك فقط لأنها تعتمد على مهاراته الشخصية كحسن المنطق وسعة الصدر وقوة الشخصية والقدرة على التأثير على الآخرين وهي أمور مهمة لكل محامي لكنها ليست الأمر المهم الذي ينبغي أن يكون ملما به في هذه المرحلة الأولية وهو مهارات التعامل مع الأجهزة والدوائر الحكومية ذات الصلة من شرطة و نيابة و قضاء كيفية التعامل مع (الشرطة والنيابة والقضاء) ومعرفة ما يتمتع به من حق وما عليه من واجب وما يستلزمه طبيعة المهنة من تقدير واحترام وعدم تجاوز الحدود، أي حقه الذي يتمتع به بنص القانون، وواجبه تجاه هذه الجهات بنص القانون ولعل ما يرشح من أخبار عن بعض المصادمات بين الشرطة وغيرها من جهات حكومية قد يكون في بعض الأحيان راجع إلى سوء تصرف من المحامي نفسه بسبب عدم إلمامه بطريقة وكيفية اسلوب التعامل مع هذه الجهات، مما يتأكد معه أنه من الضرورة بمكان تعلم كيفية التعامل مع هذه الأجهزة الحكومية، لكونها من أهم العقبات التي تواجه المحامي المتدرب، الأمر الذي يستلزم معه أن تكون عملية التدريب منهجية بطريقة علمية يستفيد منها المحامي المتدرب لا أن يظل حبيسا بين أكتساب الخبرة التي تحتاج إلى طول المدة أو اكتساب المهارة التي تتطلب المراقبة والمتابعة ودقة الملاحظة منه ومن المحامي الذي يتدرب عنده وهو بلا شك أمر شاق قد لا يهتم به من يتدرب عنده لظروف وعوامل كثيرة.
وكذلك من أهم العوائق والمشكلات التي تواجه المحامي المتدرب، مشكلة طبيعة القضايا بالمكتب الذي يتدرب فيه، فقد تكون طبيعة المكتب مما يعق اكتساب الخبرة والمهارة القانونية في تلك الفترة وهذا أمر مشاهد بالواقع. وكذلك من أهم تلك المشكلات مشكلة قلة وندرة القضايا بالمكتب، وهذه المشكلة تكون في الغالب في المكاتب الصغيرة وهي الأغلب، فقد تمر على المحامي المتدرب الشهور وهو لم يراجع محكمة أو يدخل مقر نيابة، ولذلك أثره على تحصيل المهارات والخبرة اللازمة له. وهناك مشكلة ضعف العائد المادي لأن بعض مكاتب المحاماة تستغل المحامي المتدرب بوصفه باحث عن التعلم واكتساب الخبرة فلا تنصفه بمنحه راتب يتلاءم ووضعه ، فيظل يعاني الأمَرّين حتى تجده يزهد في التعلم واكتساب الخبرة ويتمنى انقضاء مدة التدريب بأسرع ما يمكن، وهناك مشكلة إهمال بعض مكاتب المحاماة للمحامي المتدرب وترك أمر تعلمه لإجتهاده هو، فتجد صاحب المكتب لا يبادر بتعليمه ولا بمناقشته وأخذ رأيه، 
وكل هذه الظروف والعوامل تسهم في إخراج محامي متدرب قليل الخبرة ضعيف الأداء يجهل حتى بأدوات مهنته فضلا عن أن يتعالم أو يكتسب مهارات قانونية أو يُنمي مواهب مكتسبة وتجد كل همه وسعيه ينصب في تأسيس نفسه بفتح مكتب على أي حال كان ثم يبدأ بعد ذلك في قبول أي قضية كانت دون زاجر من أخلاق أو تأنيب من ضمير ويتبع ذلك مرحلة السقوط المستمر التخلي عن القيم والمبادئ، وكل هذه العوائق والمشاكل التي استعرضها هي غيض من فيض ولو أن نقابة المحامين قامت بمسح شامل للأستبيان عن وضع المحامي المتدرب وما يعانيه من ظروف لوقفت على حجم المعاناة الحقيقي التي يجدها كل محامي متدرب ولأمكنها ذلك بالخروج بتوصيات تؤدي إلى حلول ناجعة لهذه المشاكل، لكل ذلك أجد في المبادرة الكريمة التي طرحها الأستاذ/محمد صابر سيد نصر أمين أمانة شئون المهنة بنقابة المحامين باقتراح قيام النقابة بإقامة معهد لتدريب المحامين وإن هذه المبادرة تدل على نظرة ثاقبة للرجل ولفتة بارعة تصب في مصلحة كل محامي متدرب.
تبقى مشكلة المحامي المتدرب هما يؤرق كل مخلص وكل حادب على الإصلاح وسوف لن تزلل هذه العوائق وتزال هذه المشكلات إلا بتضافر كل الجهود، حتى تكون المحاماة مهنة النبلاء وميدان الشرفاء وساحة لكل دعاة الحق والفضيلة.

وفق الله الجهود الرامية لكل إصلاح..

الغصن المُورِق لما يحتاجه كل محامي متدرب: - (الجزء الثانـــي)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،، وبعد ..
من الأمور المهمة التي يحتاج المحامي المتدرب تعلمها في بداية مشواره العملي عدة أمور منها: 
أولا: اكتساب اللغة القانونية: 
تبرز أهمية أي لغة في أنها وسيلة من وسائل التواصل والتفاهم والتعلم، فضلا عن أنها إحدى طرق الحصول على المعلومات وكسب الثقافات ونقل الأفكار، وهي لأهل القانون فوق ذلك كله وسيلة من وسائل التقنين والصياغة، والتعبير عن الحس القانوني وكلما كان رجل القانون متمكنا في فن الصيغة القانونية كلما كان أكثر قدرة على الإقناع بالرؤية التي يتبناها وكان مبدعا في شرح الواقعة وبيان الحقيقة فإتقان اللغة القانونية من عوامل النبوغ والإبداع في المهن القانونية قاطبة، لذلك يحتاج كل محامي ومستشار قانوني إلى الكتابة بلغة قانونية سليمة، وحتى يتسنى لكل محامي متدرب إتقان الكتابة باللغة القانونية لابد له من عدة أمور:
أولا: معرفة أوجه الاختلاف بين بين المفردة القانونية وغيرها من المفردات. فاللغة القانونية تختلف عن غيرها من اللغات الأدبية والإعلامية، وأكتساب اللغة القانونية أمر ضروري لأنه قد يكون للمصطلح القانوني مدلولا مغايرا للمعنى اللغوي، فمثلا الكلمة «عين» لها في اللغة عدة معان مختلفة ، فقد يقصد بالعين (الماء) وقد يراد بها (الجاسوس) وقد تعني (العين التي يبصر بها) وكلها معان تتضح وتتبين حسب الحال، لكن في اللغة القانونية كلمة «عين» لا تحتمل غير معنى واحد وهو العقار فمدلول الكلمة ومعناها في اللغة القانونية أضيق مما هو الحال في اللغة العادية التي قد يستغرق اللفظ الواحد فيها عدة معاني وقد يكون المصطلح القانوني أوسع مدلولا منه في اللغة، وبالعكس، قد يكون المصطلح القانوني أضيق مدلولا منه في اللغة، ومثال ذلك لفظ «التزوير» يأخذ في القانون مدلولا أضيق منه في اللغة.
وكلمة (نصب) مدلولها في القانون ينصب على كل عمليات الغش والاحتيال لذلك تجدها مترادفة دائما مع كلمة أحتيال، مع أن معناها في اللغة العادية قد يكون خلافا لما في الاصطلاح القانوني، وجدير بالإشارة أن المصطلحات القانونية تختلف بحسب القانون، فهناك مصطلحات قانونية تتعلق بالقانون الجنائي مثال (الشرعية الإجرائية الجنائية – المسئولية الجزائية – الدفاع الشرعي- القصد الجنائي- الجنحة والجناية - والمخالفة)، وأخرى تتعلق بالقانون المدني مثال (اتفاق – إبرام – إبطال- إذعان) وأخرى بالقانون الإداري وهكذا فلكل شق أو فرع من فروع القانون له مصطلحات تميزه، وبهذا يتضح مدى أهمية معرفة اللغة القانونية لكل محامي بل كل قانوني فضلا عن المتدرب.
وأهم ما تتميز به اللغة القانونية عن غيرها من اللغات أنها لغة متميزة من حيث المفردة والتراكيب، كما أنها لغة يجتنب فيها اللبس والغموض في المعنى فلا يستخدم فيها الكلمات الغامضة، ولا الكلمات المثيرة للإلتباس بل يُعنى في هذه اللغة الإحاطة بكل جوانب المعنى وتقييده وتتميز بالدقة والإيجاز ولا مجال فيها للحشو والإطناب والاستطراد فلا تستخدم فيها الكلمات غير الضرورية ، والمترادفات و التأويلات وإنما هي لغة تقوم على الحسم والقطع والوضوح، ، بخلاف ما عليه لغة الأدب التي تعتمد على الإيحاء والخيال والكناية، والتورية، والاستطراد والتأثير الوجداني.
وتساعد المعرفة باللغة القانونية في إجادة فن الصياغة القانونية، والصياغة القانونية هي أسلوب لغوي متخصص يحتاج صاحبه إلى التمكن من ناصية اللغة عموما حتى يتفرد ويجيد لغة القانون وتكُتسب هذه المهارة بكثرة الكتابة والقراءة حتى تكون لغته القانونية جيدة وسليمة ومحل تقدير واحترام، وحاجة المحامي إلى الصياغة مستمرة، سواء كانت للعقود أو في كتابة المذكرات والمرافعات أو الخطابات ونحو ذلك. 
ثانيا: كيفية التعامل مع الأجهزة الحكومية شرطة ونيابة وقضاء:
يجد المحامي المتدرب نفسه يتعامل مع جهات حكومية مختلفة فالتعامل مع الشرطة يختلف عن التعامل مع القضاء والنيابة، وإن كان القاسم المشترك بينها جميعها هو التقدير والاحترام، فأنت كمحامي لك تجاه هذه الأجهزة الحكومية حقوق كما عليك واجبات، فإذا عرفت حقوقك حفظت حقك وصنته وإذا عرفت واجباتك حفظت نفسك ولم تعرضها لما يسيء إليها، ولعل من أبرز المشكلات التي تحدث لكثير من الزملاء أثناء العمل تكون بسبب عدم معرفة ما له وما عليه. 
ثالثا: تعلم آداب المهنة وأخلاقياتها: ولا شك أن لمهنة المحاماة آداب وأخلاق يصعب على مثلي حصرها في مقال ولكني أذكر بعض منها بقدر أهميتها للمحامي المتدرب، ولي مقالة سابقة تناولت فيها بعضا من هذه الآداب سوف أعيد نشرها لتعم الفائدة في هذا الإتجاه، ومن أهم هذه الآداب التي ينبغي مراعاتها والتخلق بها: أولا تحديد الهدف من الدفاع أي أن يكون قرار دفاعك في أية قضية ينبغي أن يكون لأجل تحقيق العدالة وكشف الحقيقة الغائبة لا لأجل العائد المادي فقط ، ومن تلك الآداب والأخلاقيات أن مهنة المحاماة لا تعني استغلال ثغرات الأنظمة والقوانين أو مخالفتها أو الاحتيال عليها لأجل كسب القضية بدون وجه حق.
ويجب عليك أن تنأى بنفسك عن تمثيل المصالح المتعارضة، فالمحاماة مهنة المساهمة في تحقيق العدالة لا الكسب المادي أو المعنوي كتحقيق الشهرة.
ويجب أن يكون دورك ممثل لموكلك بهدف إعانته على الحق ولا تكن كالأجير عنده ، لأن الأجير يسمع ويطيع والمحامي يربأ بنفسه من أن يزج بنفسه في مثل هذه المهاوي والمخاذل.
وأعلم أن المحكمة بمثابة محرابا للعدالة، فجديراً بك أحترامها وتوقيرها وتقديرها بالقدر اللائق بها، ومن احترامها الظهور أمامها بالمظهر اللائق الذي يتسم بالوقار والاحترام ويكسو بالهيبة والرزانة، فالمظهر له دور في التأثير واٌلإقناع، وأحفظ أسرار موكلك، فالمستشار مؤتمن، ما لم يكن هذا السر يمثل مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية أو يشكل جريمة يعاقب عليها القانون فحينها لا يعد من قبيل الأسرار التي ينبغي كتمانها، ومن الأمور المهمة التي ينبغي لكل متدرب تعلمها التواضع، تواضع دائما للناس و أنصت لهم جيد ولا تنظر لمن هو دونك نظرة ازدراء فكل الخلق لأدم وأدم من تراب،وأعلم أن هذه الآداب والأخلاق سوف لن تتعلمها بسهولة ويسر، وحبذا لو كان هناك ميثاق شرف بين المحامين مكتوبا يكون بمثابة المرشد والدليل الذي يتعلم منه آداب المهنة وأخلاقياتها لكان ذلك جيدا وأيسر في تبليغ الغاية.
وخلاصة ذلك كلها لابد لك من الانعتاق من التصور العام الذي يجعله العامة كصورة للمحامي بأنه الماهر في الحجج الحاذق في التلون كثير الكلام الذي يخرج موكله من أي مأزق بكل وسيلة ولا يعدم في ذلك حيلة، بأن تكون المحامي الذي يرضى عن نفسه ويرضي ربه قبل أن يرضى عنه الآخرين، ويؤدي واجبه بكل أمانة وصدق لأنك حين صرت محاميا أصبحت تؤدي رسالة قبل أن تمارس مهنة، وما أعظمها من أمانــــة.

بعضا من آداب المحاماة:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ...........
الحديث عن الأدب حديث شيق وممتع وذلك أن الأدب مما تركن إليه النفوس وينشرح به الصدر والحديث عن الأدب في ذاته موضوع متعذر على الوالج ومسلك متوعر على الناهج مثلي لقلة بضاعتي وعدم إتقان فنون هذه الصنعة لكن عزائي في الحديث عن الأدب والآداب هنا أنه في فن أنا من أهله المشتغلين به كما أنه في جزء يسير منه. والأدب الذي أعني هنا ليس بمفهومه الخاص كالكلام الإنشائي البليغ الذي يقصد به التأثير في عواطف القراء والسامعين سواء كان شعرا أم نثرا وإنما الأدب بمفهومه العام أي أن الأدَبُ الذي يحمل معنى كل ما أنتجه العقل الإنْسَاني من المعرفة بما في ذلك معناه الشائع بأنه رياضة النفس على محاسن الأَخلاق والعادات. و لا خلاف في أن الأدب من الأمور التي لا يمكن أن تنفك عن حياة الإنسان فهو منهاج حياة فتعاليم ديننا الحنيف كلها آداب وقيم تسمو بالأخلاق وترتقي بالإنسان إلى مراتب الكمال المنشود، فللطعام آداب وللشراب آداب كما للنوم والاستيقاظ آداب ولدخول المنزل آداب وللخروج منه آداب و لدخول المسجد آداب ولدخول الأسواق آداب ولركوب الدابة آداب وللسفر آداب وللحديث آداب، وهكذا فكل شيء في هذه الحياة له آداب والموفق هو من تحلى بجماع الأدب. والمحاماة كغيرها من المهن العريقة تميزت بأنها رسالة قبل أن تكون مهنة لأنها تحمل في طياتها مجموعة من القيم الإنسانية التي تنشد العدل والدفاع عن الحق وتهدف إلى نصرة المظلوم لذلك ليس غريبا أن تكون لهذه الرسالة جملة من الآداب التي تتفرد بها وتميزها عن غيرها، قد تخفى هذه الآداب على الكثير ولا يعرفها إلا القليل ولا يتحلى بها إلا أقل القليل لكنها تظل شعارا يُعرف به أهل هذه المهنة، و قد يتبدى للقارئ أن هذه الآداب من الواجبات لما لها من أهمية وللتداخل البيّن بينها في بعض الأحيان والواجبات و الأصل أن هناك فرق بين الواجبات والآداب وذلك أن الآداب هي جملة من القواعد التي يتحلى بها المحامي ليس لها صفة الإلزام ولا يحاسب على تركها بقدر ما يٌقّمت سلوكه وتصرفه إذا حاد عن التحلي بها أما الواجبات فهي ملزمة ويترتب عليها تأديب المحامي لدرجة تصل إلى شطب اسمه وإلغاء ترخيصه كما أن هذه الواجبات ينص عليها في بعض القوانين أو الأنظمة المنظمة للمهنة مثال النص على: عدم إفشاء السر الذي عرفه عن طريق مهنته ولو بعد انتهاء وكالته، أو أن يقبل أية دعوى أو يقدم أية استشارة ضد جهة يعمل لديها أي عدم تمثيل مصالح متعارضة أو أن يحدد أتعابه عن الوكالة من الحقوق المتنازع عليها أو بعضها وغيرها من واجبات.
ومن هذه الآداب: 1) الشجاعة: فهي بلا شك هي مهنة الشجعان والفرسان لكنها الشجاعة في قول الحق والتفاني في الدفاع عنه بعرض الحق بوضوح في الحجة وقوة في البيان وهذه تحتاج إلى الجرأة التي هي ضد التزلف والاستعطاف لأنه ليس من الشجاعة كثرة الحيّل وامتطاء ثغرات القانون لتحقيق المكاسب وبلوغ الغايات. 
2) حسن السلوك ورفعة الأخلاق: لذلك تجد من شروط منح الترخيص لهذه المهنة النص على عدم الإدانة في جريمة تخل بالشرف والأخلاق لأنه يفترض في المحامي أن يكون على قدر من الاستقامة والنزاهة والأدب فمن تخلفت فيه هذه الخصال لا يمكنه بحال من الأحوال أن يكون أمينا على الحق و لا معينا عليه ولا داعيا إلى العدل لأنه يفتقر للضمير الحي وفاقد الشيء لا يعطيه.
3) التواضع: لا شك أن التواضع خلق رفيع وذوق سليما وأدبا كريما وتواضع المحامي يتخذ عدة صور منها تواضعه مع موكله فلا يشعره بجهله ولا يتطاول عليه بعلمه ومعرفته بالقانون وإذا خسر قضية موكله لا يشعره بأن السبب وراء ذلك سوء تصرفه أو طيشه و رعونته وإن كانت تلك الأشياء واقعا وسببا في خسارة القضية بل يواسيه بأن الحق لا يضيع وإن عز عليه في الدنيا فللناس ربا قدير يحاسب على الكثير والقليل و لا يضيع عنده فتيل ولا قطمير. أو ما هو أيسر وأدق منه بكثير، وكذلك تواضعه مع زملائه وذلك بقبول الحق إن كان في جانب زميله وإن كسب قضية موكله فلا يتباهى أمام زملائه بأن ذلك النجاح سببه مهارته ولحن حجته وطول باعه وسعة إطلاعه بالقانون وإنما يرجع الأمر إلى أن كسبه لهذه القضية سببه قوة الحق الذي مع موكله لأن هذا مع أنه تواضع إلا أنه حسن تصرف وأحترام وهو أمر ضروري مع الزملاء. 
4) حسن المظهر "الهندام" وكأن المقصود من حسن المظهر هذا وكمال الهندام بما يكسبه من مهابة الإشارة إلى أن جمال الظاهر برهانا على جمال الداخل فالمدافع عن الحق والمتمسك بقيم العدل حسن الطوية سليم المقصد والنية والذي يلتف على الحق ويساند الباطل ويعيق تحقيق العدل قبيح الطوية فاسد القصد والنية فكأن لسان حال هذا الهندام وحسن المظهر يخاطب المحامي بأن لا يدنس هذا الجمال الظاهري بفساد وقبح الأعمال من إعانة الظالم ورد الحق وإنكاره والمساهمة في طمس الحقائق وتزييف الواقع. 
5) الصدق والوفاء بالوعود: مما يجمل بالمحامي أن يكون صادق في التزامه وتعهداته وخاصة مواعيده – فالذي ضيع عهده جديرا بتضييع حقوق الآخرين فليس من اللائق أن يكون المحامي مخلا بمواعيده مع عملائه ومضيعا لحقوقهم في المواعيد القضائية. فالإخلال بالعهد يفقده الثقة لدى عملائه والآخرين ولا شك أن عنصر الثقة من أهم العناصر المفترض أن يستشعرها الموكل وغيره في المحامي. 
6) حسن القول وفصل الخطاب: على المحامي أن يتأدب بأدب الخطاب في مرافعاته وكتاباته ومخاطباته بأن يكون سليم اللفظ رفيع الذوق في خطاباته ومرافعاته وأن يجتنب الركاكة في اللفظ والغموض في العبارات فإيراد الألفاظ الغريبة والمعاني الغامضة يتعارض مع وضوح الحجة وقوة البيان فلابد من اللفظ الواضح الفصيح لأن من ركائز وأعمدة هذه المهنة الفصاحة وحسن البيان ولا شك أن الفصاحة لا تكون بالتوعر ولا بغموض المعنى واستخدام اللفظ الغريب وغيرها من أساليب مرذولة لدى أهل الأختصاص ، بل لابد من التأنق في الألفاظ و في التعبير لأنه مما يقوي الحجة ويجمّل ذلك بالإيجاز الذي لا يخل ويجتنب التطويل الممل فالبلاغة في الإيجاز وحسن اختيار الألفاظ، فلابد للمحامي أن يجيد فن الخطابة والكتابة فهما عنوان نجاحه وسّر إبداعه ويحضروني قول الفيلسوف الفرنسي فولتير حين سئل عمن سيقود الجنس البشري، أجاب دون تردد: (الذين يعرفون كيف يقرؤون ويكتبون).
لكل فنا من الفنون آدابا وتقاليدا تميزه عن غيره من الفنون وأن المحاماة هي رسالة وأمانة ولا شك أن هذه المنزلة العظيمة وهذا الشرف يكسبها آدابا تليق بهذه العظمة وهذا الشرف مما يجعل إدراك آداب المحاماة في هذه الوقفات أمرا بعيد المنال ولكنها إشارات لبعض من هذه الآداب التي إن تحلى بها المحامون كانوا حقيقة هم رسل العدالة وحماة الحقوق ودعاة الفضيلة.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ،،،

الناس كأسراب القطا:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،،
تأسرني دوما الكلمات والعبارات التي تمتلئ حكمة وتنضح بالموعظة لأنها تفتح القلوب بصدقها وترققها بما فيها من أخلاص فالكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة تُثمر في القلوب وتترك فيها أثرا طيبا وذكرا جميلا – ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)) و إن من بين تلك الكلمات التي تعد من الحكم البليغة تلك التي نطق بها شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمه الله وأوردها في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العبارة الشهيرة "الناس كأسراب القطا" و مثل هذه الحكمة لا يستبعد مثلها من فم عالم جهبذ كشيخ الإسلام ابن تيمية الإمام الحبر البحر ونادرة العصر من نوادر الرجال علمًا وحلمًا وعقلاً وحكمة ، بقية السلف وعمدة الخلف ناصر السنة وقامع أهل الزيغ والبدع، قل ما يجود الزمان بمثله الذي يعد من بقايا السلف الأطهار فهو فريد العصر علمًا ومعرفة وذكاءً مدحه ابن الزملَكاني رحمه الله قائلا:
مَاذَا يقول الوَاصِفون لَه ** وَصِفَاتُه جَلَّت عَن الحَصرِ
هو حجّة للَه قَاِهــــــــرَةٌ ** هُوَ بيننا أُعجوبَة الدهـــــرِ 
هو آية للخَلق ظَاهِــــــرَةٌ ** أَنوَارُهَا أَربَت على الفــــــجر
و قال عنه الإمام الذهبي : ( وهو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته ، فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله ، ولا والله ما رأى هو مثل نفسه في العلم ).
وسربُا القطـــا هو مجموعة من الحمام جاء ذكره على لسان مجنون ليلــى قيس بن الملوح: في قصيدته (أسِرْبَ القَطا هَل من مُعيرٍ) التي يقول فيها:
بكيتُ على سرب القطـا إذ مررن بي ** فقلتُ ومثلي بالبكاء جديرُ
أسرب القَطَــا من يعيرنــــي جناحه ** لعلي إلــى مــــــن قـد هويتُ أطيرُ
وأي قطاة لم تعرنــــــــــــــي جناحها** فعاشَتْ بضَيرٍ والجَناحُ كَسِـــــــــيرُ
وإلاّ فَمَنْ هذا يُؤدِّي تَحِيّةً ** فأشكره إن المحب شكـــــــــــــــــــــور
وهذه المقولة أو المثل الذي أورده شيخ الإسلام ابن تيمية بين فيه مسألة مهمة ينبغي على كل عاقل أن يعيها ويتدبرها ويضعها نصب عينه في كل تصرفاته وأفعاله وأقواله لأن هذه المقولة تعني أن الناس يتأثرون ببعضهم البعض ويقلد بعضهم بعضا لأنهم مجبولون على تشبه بعضهم ببعض ولأجل ذلك كان الذي يبتدئ بالخير أو بالشر له من الأجر والوزر مثل من تبعه في عمله ويتأكد مصداق هذه المقولة في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجرمن عمل بها إلى يوم القيامة من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء،ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء. " رواه مسلم. وكذلك مثيله الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا)) و حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) خرجهما مسلم في صحيحه.
وقد ورد شيبه هذه المقولة في المعنى واللفظ في كتاب الإبانة الكبرى للإمام ابن بطة رحمه الله في حديثه عن حال الناس في زمانه رحمه الله يصف واقعهم ويبين صفاتهم بقوله: (( وَالنَّاس فِي زمانِنا هذا أَسرابٌ كَالطَّيرِ،يتبعُ بعضُهُم بَعضًا لَو ظَهر لَهم مَن يَدَّعِي النبُوَّةَ مع عِلمِهِم بِأَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ خَاتَمُ الأَنبياء،أَومن يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ، لَوَجَد عَلَى ذَلِكَ تْبَاعًا وَأَشْيَاعًا).) فذكر في ختام قوله وَصف النَّاسُ فِي زَمَانِنَا هَذَا أَسْرَابٌ كَالطَّيْرِ،يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
الشاهد مما تقدم ذكره أن الناس يتأثرون ببعض ويقلد بعضهم بعض وخاصة بين النظراء وواقع الناس يُثبت ويؤكد هذه الحقيقة فكثيرا من الناس يقف موقفا وسطا لا هو داعيا للخير ولا هو محرضا على الشر وما أن يرى غيره لاسيما نظيره على حال من الشر أو الخير إلا وقلده وانتهج نهجه وصار مثله في فعله وهذا مشاهد بالتجربة في واقعنا.
وإن العطب والدفع أسهل من الرفع على كما تقرر فقها في القاعدة الفقهية التي ذكرها ابن رجب رحمه الله [ الدفع أسهل من الرفع] والمراد بالدفع هنا الابتعاد عن الشر و أسبابه لأنه إذا نزل الشر أصبح من الصعب أن يرفعه الإنسان، والحكمة عند الأطباء أن (الوقاية خير من العلاج) أو (درهما وقاية خيرا من قنطار علاج) والعاقل طبيب نفسه.
الفائدة مما تقدم بيـــانــه في هذه المقولة والحكمة البليغة: 
(1) أنه لما كان الناس مجبولون على تشبه بعضهم ببعض (كأسراب القطا) ، فعلى كل كيس فطن أن يكون حذر في أن لا يؤاخي أو يعاشر من ساء خلقه وانتكست فطرته وفسد طبعه فالطبع سراق كما يقال في المثل.
(2) أن للصحبة أثرا لا يمكن تجاهله، لذلك هي دعوة لتخير الطيب الذي تطيب صحبته وينال فضله فمن صاحب الأخيار ارتقى إلى الله و من صاحب الأشرار هوى إلى أسفل سافلين، فأحذر جليس السوء , فان المرء على دين خليله، فأصحب دوما الذي يدلك على الخير ويعينك عليه, ويبين لك الشر ويحذرك منه مخافة أن تقع فيه فالصحبة لها أثرها على المصاحب وفي الحديث الصحيح عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة) أخرجه البخاري ومسلم. 
وفيما يروى عن لقمان الحكيم في وصيته لابنه: (من يُقارِنْ قَرِينَ السّوء لا يَسْلَمْ، ومن لا يَمْلِكْ لِسانَه يَنْدَم. يا بني كُنْ عبداً للأَخيار ولا تكن خَليلاً للأَشْرار).
ولله در الشافعي في نظمه الشعر:
أحب الصالحين ولست منهم ** عسى أن يدركني بحبهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ** وإن كنا سواءً في البــــــــضاعة
(3) على المرء دوما أن يكون داعيا للخير حتى إذا تأسى به الناس واتبعوه أجر على ذلك، وعليه أن ينتهي عن الشر والدعوة إليه لا بفعل و لا بنشر ولا بقول ، فقد تكون إماما لمن يتبعك في الشر و الانحراف لأن الناس يتأثرون ويقلدون ، و الحكمة تقول [ لأن تكون تابعا على الهدى خير من أن تكون إمام ضلال]، فلا يكون لسانك في الفسق وكل ألوان الشر زلقا، ولا تجعل قلمك بالكذب متلونا ولئن ترفع بالعلم ودعوة الخير رأسا خيرا من تطأطئ الرأس خجلاّ وخزيا وعاراّ.
فوطنوا أنفسكم على النفع ما حييتم واجتنبوا الشر و الإفساد ما استطعتم، وتنبهوا وتبصروا فلأن يغيب ذكرُك ولا يعرف الناس قدرُك خيرا من أن تكون علما بالشر تذكر وإمام ضلالا للشر ينشر.

لقانون لا يحمي المُغَفَّلُين شعار لا يليق بأهل القانون:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ...
القانون لا يحمي المُغَفَّلُين: عبارة أو مقولة يكثر استخدامها لدى أهل القانون و عند غيرهم من عامة الناس، هذه المقولة تستفز كل ضمير حي، وتؤرق كل صاحب فكر ونظر ثاقب، لأن ظاهرها إعانة الظالم وإهدار حق المظلوم بالقدر الذي إن قلت يفتت الأكباد ويحرك الجماد غيظا أجدني محقا بعض الشيء، هذه المقولة لا تعبر إطلاقا عن طبيعة المحاماة وأهلها لأنها مهنة قوامها النجدة وإغاثة الملهوف وتقديم العون ونصرة الحق من خلال مراقبة التطبيق السليم للقانون، هذه المقولة فيها تشجيع لكل منحرف على ابتكار الحيّل في أكل حقوق الغير وفيها تثبيط عزائم أهل الحق من السعي خلف ما فرطوا فيه تغافلا – ( وإنما أبطل حقه من لم يرفع به رأساً)، بالتالي فهي لا تشبه المحامين البتة لكونهم مناراً للحق و حماة للفضيلة ودعاة للعدل، ولا تليق بأهل القانون كشعار، والمتأمل لهذه المقولة يجد أنها غير دقيقة بل غير صحيحة و تتعارض مع القانون نفسه وذلك أن القانون هو مجموعة من القواعد التي تنظم العلاقات بين الأفراد في المجتمع, تلزم الكافة بإتباعها واحترامها وتوقع الجزاء على كل من يخالفها، فكيف إذا لا يحمي القانون المغفلين وقواعده عامة تشمل كافة أفراد المجتمع و لا تستثني منه فئة ..؟ وللتوضيح أكثر ولمناقشة هذا الأمر بصورة أدق لابد من طرح هذا السؤال - (من هو المغفل ..؟)، ليس صحيحا أن الشخص المُغَفَّلُ ما اعتاد الناس وصفه من يتصرف في حقه بإهمال وتقصير وتفريط دون اتخاذ حيطة وحذر هو مغفلاً تزول عنه الحماية التي يقررها القانون، كالذي لا يُحسن إثبات حقه من خلال عدم التزامه بتوثيق دينه بمستند (كتابة) فمثله لا يسمى مغفلا بل هو مقصرا ومفرطا، ولأنه لا تشمله حماية القانون فلا يقال القانون لا يحمي المغفلين بل يقال: (القانون لا يحمي المفرطين) لأنه أقرب إلى الحقيقة والواقع ولأنه حتى في يتفق مع القاعدة الشرعية المقررة في الشريعة الإسلامية المعروفة (المفرط أولى بالخسارة) أي فمن فرط في حماية حقه أسقط عن نفسه بخلاف الصور التي يحميها الشرع، لا يتمتع بحماية نتيجة تفريطه.
و المُغَفَّلُ في اللغة: هو من لا فِطنة له ، وهو من يسهل خداعه لجهله وقلة خبرته ، فهو كل رجل سهل الانقياد لكل مكر وخديعة، ، ويقال أغفل واجباتِه : غفل عنها ، أهملها وتركها من غير نسيان، إذاً المُغَفَّلُ عديم الفِطنة لكنه سليم العقل، والقانون يٌعّرف المُغَفَّلُ و الشخص ذو الغفلة: بأنه الذي لا يحسن التصرف في أمواله ولا يستطيع تدبير أموره وإدارة ممتلكاته على الوجه المطلوب أي (ناقص الأهلية)، ويتقارب هذا التعريف مع وصف المُغَفَّلُ في الفقه الإسلامي إذ ذو الغفلة: هو من يُغبن في البيوع لسلامة قلبه ولا يهتدي إلى التّصرّفات الرّابحة، فالغفلة في الشرع هي عدم الاهتداء إلى التصرفات الرابحة نتيجة نقص في الإدراك، فنقص الإدراك في حكم الشريعة الإسلامية يٌدخل المُغَفَّلُ في دائرة الحماية لكون أن تصرفه يدخل في واحدة من عيوب الإرادة المعروفة(بالغلط والتدليس و الإكراه والغبن)، والعجيب أن عدم القدرة في تدبير الأمور و إدارة الممتلكات وفق القانون يضع لتصرفات المُغَفَّلُ حماية خاصة باعتبار أنها داخلة في عيوب الإرادة وأنها من التصرفات الضارة ضررا محضا بذي الغفلة، إضافة إلى ذلك فإن الغفلة تعد من عوارض الأهلية شرعاً وقانوناً وهي:[ السَّفَه ، العَتَه ، الغفلة، واستغراق الدين، ومرض الموت]،ولأن الغفلة هي عيب في ملكة التقدير عند الشخص ، يجعله يغبن غبنا فاحشا في تصرفاته، وحكم تصرف ذي الغفلة نفس حكم تصرفات السفيه لأن الغفلة تماما كالسفه لا تعدم الإرادة أو التمييز و إنما تنتقص منهما فقط، لأن ذي الغفلة يغبن في المعاملات فهو يشبه السفيه في الأحكام ويعبر عنه – أحيانا – بالضعيف أي ضعيف الرأي في التعامل مع الناس وقد قال الله جل وعلا: ﴿ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ﴾ [البقرة: 282 ]، يتبين مما تقدم أن المُغَفَّلُ شخص يتمتع بالحماية القانونية و يحاط بالحماية في الشرع أيضا، و القول بخلاف ذلك جهل بأحكام الشريعة والقانون، بالتالي كيف يقال أن ( القانون لا يحمي المُغَفَّلُين) !!!!، إذاً هذه المقولة خاطئة وغير صحيحة ، فالقانون لا يضع حصانة لمن يستغَفَّلُ ذوي الغَفَّلة أو ضعيف الذكاء والفطنة بل يُجّرم من يستغَفَّلُ النّاس، فلا يقولن قائلا من أهل القانون ذوي الاختصاص أن القانون لا يحمي المُغَفَّلُين، فيوقع نفسه في الجهل، و لا يليق بمثله في هذا الباب جهل. 
فالقانون يحمي كل ناقص أهلية كذي الغفلة والسفيه والمعتوه والصبي غير المميز و كذلك يحمي عديم الأهلية كالمجنون غيره ، ويذهب إلى أبعد من ذلك فيحمي حتى المتعاقد من كل تصرف ينطوي على الغبن أو الغش أو التدليس أو ما يتعلق بالجهالة بالمعقود عليه وكل ما يؤثر على الإرادة من الغلط أو الإكراه، وتتخذ هذه الحماية صورا منها: بطلان التصرف أو التعويض عما لحقه من ضرر، وهذه الحماية في الشريعة الإسلامية أكبر مما في القانون ، لكن ذلك لا ينفي حماية القانون أيضا.
وبالنظر إلى الواقع الذي نشأت فيه هذه المقولة نجد أنه يختلف تماما عن واقعنا ويختلف عن قيمنا وأخلاقنا وديننا فقد نشأت هذه المقولة في الولايات المتحدة الأمريكية في قصة شهيرة [ حيث أعلن أحد الأفراد في الصحف اليومية إعلانا مفاده كيف تكون مليونيرا "أن أردت أن تكون ثريا فأرسل دولار واحد فقط على صندوق البريد التالي، فأرسل له عدد كبير من الناس على صندوق بريده رغبة في معرفة الطريقة التي تحولهم إلى أثرياء وبعد أن كان له ما تمنى أنزل إعلانا وكتب فيه " هكذا تصبح ثريا " وشرح فيه كيفية حصوله على الملايين بهذه الطريقة الذكية القائمة على الغش من خلال إرسال كل واحد دولار له على بريده مستغلا رغبتهم في الثراء و واصفا لكل من أرسل له بالغباء، فتقدم الجميع بشكوى على الرجل لكن الأمر العجيب أن جاء رد المحكمة عليهم بنوع من السخرية و الاستهزاء بالمقولة (القانون لا يحمي المُغَفَّلُين) ] إذاً هذه المقولة قامت على أمر محرم وهو أكل أموال الناس بالباطل، وغير خافي أن أي مجتمع يحل الربا هو مجتمع يشجع على الحرام وعلى أكل أموال الناس بالباطل، لذلك فإن إتخاذ هذه المقولة جوابا في الرد على المقّصر و المهمل في حفظ حقه يعد من إعانة الظالم على إهدار حق المظلوم، بل إن في الاعتداد بهذه العبارة واعتبارها أساسا يتكئ عليه تشجيعا على تطبّع الناس على رذيلة الكذب والمكر وامتهان الحيّل والجرأة على الله بالغش والتدليس خاصة على الضعفاء لتحقيق الكسب باعتباره مهارة أو حِذقٌ في التجارة وغيرها من معاملات مما يفسد معه الجو العام فيصير موبوءا بمرذول الأخلاق، وما واقعنا اليوم من تفشي الفساد وقلة الأمانة إلا انعكاسا لتلك القيم التي ترسخت في وجدان الكثير حتى أصبح كثيرا من التعاملات بين الناس يسودها شعار ( القانون لا يحمي المغفلين)، لأن خداع الناس والاحتيال عليهم بالأخر واستغفالهم غدا انتصاراً وانجازا بل يعد نجاحا في عالم الأعمال، بالرغم من أنه أكل لأموال الناس بالباطل، ولا يخفى فساد هذه المقولة وأنها تنزع عن ثوب العدالة وشعار أهل القانون الذي يتدثرون به هيبته و ووقاره ومصداقيته وتجعل القانون وكأنه سيفا مسلطا على من لم يملك الحيّل وأساليب المّكر والدهاء، وتجعله أيضا مضيعا لحق كل من تغافل أو أهمل أو قصر فحريا بأهل القانون استبدلها بما هو أليق وأنسب بالعدالة لتكون متفقة مع ما جاء في شرعنا الحنيف الذي هو من لدن حكيم عليم ليكون شعار أهل القانون - {القانون لا يسمح باستغفال المغفلين} حتى لا تكون هذه وكأنها حصانة يستفيد منها كل مرذول أخلاق عديم مروءة وأمانة وتستبدل بما هو أنسب وأدق(القانون لا يحمي المفرطين)، ولست من أحرز قصبات السبق بهذه الإشارات في هذا الموضوع فقد سبقني إليه كثير من الفضلاء ممن استفدت من إشاراتهم، وللأمانة أن كثيرا من المحامين يضمر في داخله الإنكار لهذه المقولة لكنه يهاب الإفصاح بذلك لما يراه من شيوعها وانتشارها حتى أصبحت من المسلمات، مع فسادها وعدم صحتها وعدم تناسبها مع أسس العدالة باعتبارها قيم ومقدسات عليا لا يليق بها هذا الشعار.

روائع الخُطب في أطرف أسماء المؤلفات و الكتب لدى الكتّاب المسلمين و العرب:
الحمد لله وحده والصلاة السلام على من لا نبي بعده،،، وبعد ..
قد يتبادر إلى ذهن القارئ من هذا العنوان أن الغاية من ورائه الإشارة إلى أهم وأطرف أسماء الكتب وأشدها غرابة، وإن كان هذا الغرض في ثنايا هذا المقال، إلا أني أرمي لما هو أبعد من ذلك، لقد راج مع حركة التأليف والتدوين عند المسلمين والعرب في القرن الثاني الهجري أسلوب السجع في أسماء الكتب والمؤلفات ومعروف بالفطرة أن السجع مما تستريح له النفس وتتلذذ به الأسماع خاصة إذا جاء بدون تكلف، والسجع يشبه اللؤلؤ الذي يتزين به فأرد أصحاب هذه الكتب تزيينها وترصيعها بعناوين تشد القارئ وتلفت انتباهه إليها ربما كان ذلك للتجارة أو لغرض نشر العلم ، لكن الذي لا أختلاف عليه أنهم أرادوا أن يكون عنوان المؤلف جذاباً يجذب الأنظار إليه بما يحبب الاستفادة منه، ولا شك هي غاية نبيلة ووسيلة شريفة، ولم يكتفوا بذلك فقط بل حملت هذه الكتب أسماءا طريفة وأخرى غريبة، ومن بين تلك المؤلفات والكتب التي تميزت عناوينها بالطرافة:
كتاب - (تنوير الغبش في فضل السودان والحبش) لابن الجوزي، ولعل أهم ما يميز هذا الكتاب أنك تجد في العنوان جوابا على ما أشكل على البروفيسور عبد الله الطيب رحمه الله حيث كان يرى أن المقصود بأرض الحبشة السودان وهو توهم لأن السودان يختلف عن أرض الحبشة، وأهم ما يميز هذا الكتاب ذكره بعض الفضائل التي أجتمعت في طباع أهل السودان كقوة القلب وقوة البدن وثمرة ذلك كله الشجاعة .
كتاب (فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب) لمحمد بن المرزبان، وهو يتكلم عن فساد أخلاق أهل زمانه وقلة مودتهم وخسة أخلاقهم ولؤم طباعهم، و له كذلك كتاب - ( من توفي عنها زوجها فأظهرت الغموم وباحت بالمكتوم).
كتاب - (رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس) لابن كرّام الجثمي ، قيل أنه قد لقي حتفه بسببه.
كتاب- (عقلاء المجانين) لابن حبيب النيسابوري – غاية المؤلف من هذا الكتاب ذكر عددا ممن عرفوا بين الناس بالجنون والخبل، وما يظهر من أفعالهم وأقوالهم العجائب والفطنة والذكاء والفصاحة والبلاغة والحكمة، رغم أنهم من يصفهم الناس بالجنون.
كتاب- (حدائق النمّام في الكلام على ما يتعلق بالحمّام) أحمد الحيمي. 
كتاب - (القول التام في آداب دخول الحمّام) أحمد الأفقسي.
كتاب- (طرح العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة) وكتاب (بلوغ المآرب في أخبار العقارب)، و(الطرثوث في فوائد البرغوث) و كتاب - (منهل اللطائف في الكنافة والقطائف) كتاب - (طي اللسان عن ذم الطيلسان) كتاب- (أزهار العروش في أخبار الحبوش)، وكتاب (بلوغ المآرب في قص الشارب) كتاب - (المؤتسي بمن حدث حدث ونسي)، و(الشماريخ في علم التاريخ) وكلها للعلامة أبو بكر السيوطي رحمه الله.
كتاب - (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ) السخاوي.
كتاب - (ابتلاء الأخبار بالنساء الأشرار)لابن القطعة.
كتاب - (برد الأكباد عند فقد الأولاد) لابن ناصر الدين الدمشقي.
كتاب - (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) لابن قيم الجوزية.
كتاب - (الصارم المسلول على شاتم الرسول) لابن تيمية.
كتاب – (السيف البراق في عنق الولد العاق)، رسالة لتقي الدين بن عبد القادر التميمي المصري. ألفها لما كان ولده الحسن عاقاً له ، ومنها [ هذا ] البيت : 
حسن نونه مقدمة ** لعن الله من يؤخرها
كتاب – (الترقيص) لصاحبه محمد بن المعلى الازدي، نقل عنه ابن حجر في الإصابة في ما كانت ترقص به الشيماء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والكتاب يتحدث عن ما ينشد به للصبي للتسكين أو التنويم.
كتاب – (الطريقة المثلى لإيصال خبر زواجك إلى زوجتك الأولى) ابراهيم عبد العزيز اليحي
كتاب – (ابتلاء الأخيار بالنساء الفجار) لابن القطعة.
كتاب –( أعجب العجب لمن لا يعجبه العجب) محمد خير رمضان يوسف
كتاب - ( دعائم الإسلام في وجوب الدعاء للإمام )للفقيه المحدث المعمَّر يحيى بن أبي منصور الحراني، وفيه فائدة عظيمة قفل عنها كثيرا من الناس وهي الدعاء للإمام (الحاكم) لأن في صلاحه صلاح الأمة، لكن الناس اليوم يدعون على الحكام بدل الدعاء لهم، والله المستعان. 
وهناك كتب تميزت بأنها ذات عناوين مطولة منها:
كتاب- (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)المشهور بمقدمة ابن خلدون ويعرف أيضا باسم بتاريخ "ابن خلدون.
كتاب - الإمام "القرطبي" (الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن دين الإسلام وإثبات نبوة محمد عليه الصلاة والسلام).
كتاب – ( السابقين وحلبة الصادقين المصدقين في ذكر الصحابة الأكرمين ومن في عدادهم بإدراك العهد الكريم من أكابر التابعين) للحافظ الكلاعي. 
كتاب - ( الإيصال إلى فهم كتاب الخصال , الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام وسائر الأحكام على ما أوجبه القرآن والسنة والإجماع )لأبن حزم.
ومن أطول هذه الكتب وأعجبها كتاب تحت الطبع بعنوان: (إرسال الصواعق الحارقات ، وإشعال النيران المحرقات ، ، وطلق الرياح العاتيات ، ونسف الجبال الشاهقات ، وإمطار السحائب المغرقات ، ورشق النبال الفارقات ، ورمي الرماح القاتلات ، وضرب السيوف القاطعات ، وكسر التروس الوافرات ، وشحذ السنان اللامعات ، لذبح الكلاب النابحات ، أعني إباضية عمان ومن على تلك الضلالات)، وهو كتاب في الرد على الإباضية.
ويعد من لطائف عناوين كتب أهل العلم:
كتاب -(نفثات صدر المكمد،وشفاء عين الأرمد، في شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد) للسفاريني.
كتاب -:(الدرة الثمينة في فضل نكاح السمينة ) للإمام السيوطي.
كتاب- أو مخطوطة (الوديك في فضل الديك) للسيوطي.
وهناك مؤلفات حديثة معاصرة عمد مؤلفيها إلى السير على طريقة السلف في التأليف منها:
كتاب - (فيض المنن في الرد على من فضّل السمك على اللبن) لأحمد التابعي. 
رسالة - (قمع الشهوة عن تناول التنباك والكفتة والقات والقهوة).
الغاية من هذه السياحة الترفيهية في أسماء المؤلفات والكتب الإشارة إلى حال أولئك المؤلفين الذين صنفوا في كل الحوادث والمستجدات في عصرهم وأفردوا لكل مسألة قدرا من الدراسة والتأمل مع البحث والاستقراء والجمع والترتيب لتخرج لنا مؤلفا أو كتابا بشكل جميل يحكي لنا عن سعة إطلاع صاحبه وتبحره في العلوم، حتى نخلص نحن بالفوائد والعبر التي في مجملها هي إدراك أهمية العلم ومنزلته وقدره ، حتى إذا أراد أحدنا أن يتحدث تحدث عن علم أو لزم الصمت، وكذلك إذا أراد أن يكتب، ولعل فيها فائدة لمن يتعجلون اليوم في إظهار العلم مع الجهل ويتصدرون المجالس مع قلة العلم فقد فشا في زماننا الجهل وكثر الكلام بغير علم في كل شيء، ففي الدين يفتي كل من هب ودب ، وفي السياسة الشرعية يتصدر من لم يتأهل ويتكلم من لم يتأسس على العلم وفي كل شيء تجد الجهل ضاربا بأطنابه وإلى الله المشتكى

مخطئا من ظن يوما أن المحاماة تلبيسا وتحريفا وسبيل ضلال:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،،
نعم مخطئا من ظن يوما أن المحاماة تلبيسا وتحريفا وسبيل ضلال، فالأمر ليس كذلك بقدر ما هو قوة إيضاح وقوة بيان متى ما غابت الحقيقة وألتبث الحق بالباطل تعين عندها حق الدفاع، فالأمر ليس لياً لأعناق النصوص القانونية ولا كتمانا للحقيقة ولا تزييفا وتبديلا في الوقائع لتتواكب مع الواقع المراد إثباته وعكسه للعدالة، والأمر ليس بالاستطالة على جهل الخصم و قلة معرفته، الأمر يا سادة باختصار هو إيمانا بحق ثم الدفاع عنه بحق وصدق لأن الدفاع عن الحق واجب مقدس تولاه صفوة الخلق والبشر من الأنبياء والرسل. فالمحاماة بعبارة بسيطة ليست تزويق حديث ولا هي بشقشقة لسان بأن يؤتى المرء لسانا زلقا إذا تكلم به خطف الأضواء وجلب الأبصار واستنصت الأسماع وملك القلوب بجمال عباراته وكان سلطان كل مقام في الحديث ورجل كل موقف، مع كذبه وتضليله وبتره للحقيقة وتحريفه للواقع، فذلك ليس من المحاماة في شيء فالمحاماة هي دفاعا بصدق والصدق جمال وبهاء، والكذب قبح وفساد ومهما بلغ بالمرء فصاحة منطقه وقوته في التعبير فسوف لن يكون كلامه جميلا ما لم يكن صدقا، ولو كانت المحاماة في الغش والكذب لما أمتهنها الشرفاء ولما مدحها الشعراء والأدباء وكان أولى بها السفهاء من الخطباء، أو أي سفسطائيا أوتي من البلاغة والفصاحة والمنطق حظا وهو يجادل به ليتربح من جداله بالباطل، ولما نالت هذه المكانة السامية والمنزلة المرموقة واعتبرت رسالة قبل أن تعد مهنة وكان جديرا بها كل جعظري جواظ صخّاب بين الناس لا يٌسحن من الأمور إلا الكذب والتضليل وتتبع الثغرات وتصيد الهفوات، كلما وجد للباطل سبيلا إلا وامتطى صهوته، وانطلق به لسانه تحريفا وتزييفا وإنكارا وتضليلا، فمن ظن أن المحاماة كذلك أو على نحو من ذلك فقد أبعد النجعة و تنكب مركبا وعرا وقال شططا وأخطأ خطاءا بينا وغلط غلطا فاحشا وكان للصواب مجانبا لا بل مفلسا لا يُحسن التفريق بين الحق والباطل كما لا يُحسن التفريق بين الحدائق والمزابل ومازال في خضم العصور الجاهلية يرتع، فالمحاماة هي كلمة الحق وقول الحق في وجه الأقوياء وليست تزيين باطلا ليصفق لك الدهماء والبسطاء، أو أن تعين ظالما على صاحب حق مستغلا كل الثغرات والأخطاء خائضا في لجة بحر الباطل مضللا بالكلمات والعبارات فكم من مفتونا بثناء الناس عليه وهو لا يسوى عند الله شيء. 
والذي يُحزن حقا أن ترى تلك الصور السالبة والمسخ من أدعياء هذه المهنة يُبجلون ويوقرون ويعدون من صفوة القوم وساداتهم وأنهم أهل الذكاء والفطنة، وهم والله الأحقرون الأرذلون، فاستغلال ثغرات القوانين وامتطاء الحيل وتزييف الحقائق وتضليل العدالة ليس من الذكاء والفطنة في شيء إلا لمن انتكست فطرته وضل فهمه وقل علمه، فمن أعتمد على استغلال ثغرات القانون واستغل زلات البشر الذين حُرموا العصمة والكمال ليس جديدا بالتقدير والإجلال فاستغلال الضعف في كل شيء لا يدل على النبوغ ولا هو دليل على العبقرية والإبداع بقدر ما هو دليل خسة في الطبع ودناءة في النفس ، وأزرى بكل أمريء أن يكون خسيسا في طبعه ودنيئة نفسه، فمهارته في استغلال ثغرات القانون لا تعدوا عن كونها سلوكا منحرفا ومسلكا مشين بل هو بميزان الشرع القويم والمنطق السليم والميزان المستقيم أفاكا أثيم وعديما للأخلاق منعدم الضمير يبيع آخرته بدنيا الآخرين، فليس استغلال ثغرات القانون نبوغا ولا هو بعبقرية ولا إبداع فكل من أراد أن يسك طرق الغواية وأصم أذنيه عن الحق يمكنه تحقيق ذلك وأكثر. 
قد يقول البعض إن هذه الصورة التي أتحدث عنها عن المحاماة وأدندن حولها غير متحقق في أرض الواقع وأن واقع المهنة يعكس خلاف ذلك وأن هذا النموذج من المحامين الصادقين نادر الوجود، وجــــواب ذلك ليس بالضرورة أن كل من اشتغل بالمحاماة هو محامي حقا ولا يعني ذلك مساسا بأصل المهنة وأهدافها فمن سار على خطى المهنة وفق غاياته النبيلة وأهدافها السامية الشريفة فهو المحامي حقا ومن حاد عن الأصول فقد ضل السبيل ولا يمكن البتة أن نعتبر أمثال هؤلاء الأشرار الكذابين ممثلين لها أو نعدهم نموذجا معبرا عن هذه المهنة الشريفة، وإن قّل النموذج وتشتتوا في الأمصار فهم ليسوا ضربا من خيال والكمال عزيز في كل شيء، وستظل المحاماة رسالة قبل أن تعد مهنة، و ليس المحامي كل مأجور يتلهف وراء الكسب ويلحن بحجته ليحقق لموكله ما أراد بدافع الكسب المادي أو بحجة واجب إتباع وتحقيق مصلحة موكله، والأهم من ذلك كله أنه إذا لم يدرك السادة المحامين أنفسهم هذه الحقيقة عن مهنتهم ورسالتهم فمن أين يعرف غيرهم شرف هذه المهنة وأنى لهم أن يعلموا أنها رسالة قبل أن تكون مهنة.

المحاماة عراقة المهنة وقداسة الواجب:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،،
إلى عهد قريب كنت أظن أن كل شئ جميل في هذا الوجود لا يحتاج إلى ما يظهر جماله أي أن الجمال لا يحتاج إلى تلميع أو تزيين، كذلك كنت أعتقد أن كل قديم يظل بائنا للناس قِدمه وعراقته وأصالته دون ذكره وشرح جوانبه لكن يبدوا لي أن هذه المفاهيم التي ترسخت لدي غير سليمة ولابد أن تتغير فليس كل جميل يحس الناس به أو يشعرون بجماله ورونقه لأن بعض الجمال ظاهر وبعضه باطن وخفي، فجمال الشكل يطّلع عليه كل من يراه ولكن جمال الباطن وحٌسن الخلق أمور لا تبدوا للعيان مع كونها صفات جمال ،كذلك الحال فليس كل قديم يعرف الناس عراقته وأصالته إلا إذا تمت الإشارة إليه بذكر محاسنه وبيان ميزاته وفضائله، والمحاماة من بين العلوم والمهن القديمة التي تتصف بالعراقة والأصالة والجمال بقدر يجعل من الصعب جدا أن يمتهنها أي شخص عادي بل لابد لمن أراد أن يكون محاميا أن تتوافر فيه عدت صفات في مقدمته العلم بالكتاب والسنة مع سعة الإطلاع و غزارة الثقافة ونبالة الأخلاق و حٌسنها وحٌسن السيرة ، وإن لم تكن المحاماة مزدهرة في العصور السابقة وليس لها أثرا واضحا في حياة الناس كما الحال الآن إلا أن الواقع يكشف بوضوح أنه آن الأوان لإبراز جمال هذه المهنة وبيان عراقتها وأصالتها لما لحق بها من أوصاف سيئة فالمحاماة إن لم تكن تٌعرف في الماضي بهذا الاسم تحديدا، إلا أنها مهنة الدفاع عن الحق والوقوف بجانبه وهي وظيفة الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين منذ أن خلق الله الناس وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فكل محامي مدافع عن الحق مظهرا له ومعينا عليه فيه شبه من دعاة الحق والفضيلة من الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وليس صحيحا أن المحاماة مهنة مستحدثة ليس لها أصلا في الشرع، فهذا لا يقول به من له مسكه من عقل أو نذرا يسيرا من العلم ولا أدري لماذا هذا التقليل من شأن هذه المهنة وإلصاق الأوصاف السيئة بها هل هو عن جهل أم هو تبلد حس وشعور يحجب صاحبه عن جمال هذه المهنة وإدراك أصالتها وعراقتها، أم هو سلوك بعض الشواذ من عديمي الأخلاق المحسوبين على المحاماة، ربما الجهل وإساءة تصرفات بعض المنتسبين إلى المحاماة زورا المنتحلين صفة محامي دون أن تتوفر فيهم أهليتها، جعل الكثير لا يغوص في أعماق وجوهر هذه الرسالة العظيمة. 
ولا يحتاج أهل هذه المهنة إلى جهد مضني في سبيل إبراز جمال مهنتهم فدفاعهم عن الحق كواجب مقدس وحده يضفي إلى عملهم هذا كل صفة جميلة فلسنا بحاجة إلى الثناء على مهنتنا أو مقارنتها بغيرها من المهن الأخرى حتى يعرف الناس جمالها وقيمتها وقدرها فقط ما نحتاجه هو نفض بعض مما علق بها من غبار، وذلك من خلال إبراز هذه النماذج والقدوات في الدفاع عن الحق وبيان سند المشروعية تأصيلا، فمن حيث السند الشرعي فإن المحاماة مهنة دلت عليها النصوص من الكتاب والسنة في قوله عز وجل: ((هأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا)) وقوله عز من قائل: (( قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي رداء يصدقني))، أما ما ورد في السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم:[ إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضِ له على نحو ما أسمع منه فمن قطعت له من أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له بقطعة من النار] فدل الحديث على أن أمتلاك لسانا فصيحا وملكة من اللغة وتزيينها بالحجة والبرهان قد يستطيع صاحبها قلب الحق باطلا والباطل حقا، وإن كان المسمى في هذه المصادر الشرعية يختلف عن أسمها الحالي إلا أن ذلك لا يقدح في مشروعيتها لأنه حتى هذا المسمى الحديث هو أشتقاق من صفة وطبيعة هذه المهنة ، أما عن عراقتها وأصالتها فهذه هي التي ينبغي التعويل عليها ولابد من إبرازها وايضاحها لإسكات تلك الأصوات المنكرة لها دون سند أو حجة، فنحن كمسلمين نفخر بالتاريخ الهجري في كل أحداثنا باعتباره بداية انبعاث قيم الحق والفضيلة فإن صدر الإسلام الأول يوثق لمهنتنا الأصالة والعراقة من خلال النماذج الحية التي تعد نبراسا يحتذى به في الدفاع عن الحق ومحاربة كل أشكال الظلم والطغيان بعدة وعتاد وعلى علم وبصيرة فجزى الله خيرا أولئك القدوات من سلفنا الصالح الذين وضعوا لنا أساسا نستند عليه ومنهجا نسترشد به في الدفاع عن قيم الحق والفضيلة، فبرعوا وأبدعوا وصاروا أعلاما يقتدى بهم ومنهم:
الذين برزوا في مقام المحاماة بالدفاع عن الحق وأهله:
فها هو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يوضح لنا الركيزة الأساسية في الدفاع عن الحق هي الصدق في المرافعة من خلال مرافعته الشهير أمام النجاشي ملك الحبشة دفاعا عن أهل الحق ضد معسكر الكفر ، والخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتخذ عقيلا وكيلا يرد عنه ويدافع عن حقه عند أبا بكر وعمر وقال: (ما قٌضي له فهو لي وما قُضي عليه فعلي) وقال: [ إن للخصومات قحما] وفي هذا دليل مشروعية اتخاذ وكيلا، معلما لهذه الأمة من بعده أن لكل مقام ما يناسبه فكما أنه ليس كل أمريء أهلا للطبابة أو القيادة فكذلك ليس كل أنسان جدير بإقامة الحجة ، وهاهو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة و ترجمان القرآن فقد رسخ لنا مبدأ مهما لا يمكن الحياد عنه عندما وكله حسان بن ثابت رضي الله عنه للدفاع عنه واسترداد حقه عندما قضى عثمان لخصمه لبراعته في عرض حجته فاسترد له ابن عباس حقه المسلوب مؤكدا على أن أبانة الحجة هي من أهم قواعد الدفاع عن الحق فمن عجز عن بيان حجته أضاع حقه وإن كان خصمه على باطل فانتصر له ورد له حقوقه فأنشده حسان بقصيدة عصماء ذكر فيها فضل ابن عباس وصفاته الحسنة كتمكنه من لغة العرب وقوة الحجة والبيان وفهمه لقضية موكله وحُسن عرضها وتقديمها على القاضي الذي قضى لصالح حسان رضي الله عنه ورد له حقه لقوة البيان عند ابن عباس ووضوح حجته فقال حسان بن ثابت في ذلك:
إذا ما ابن عباس بدا لك وجهه ** رأيت له في كـــــــــل مجمعة فضلا
إذا قال لم يترك مقالا لقائـــــــل ** بمنتظمات لا تــــــــــرى لها فضلا
كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع ** لذي إربة في القول جدا ولا هزلا

فلتفخروا أيها الشرفاء من دعاة الحق وناصري المظلومين ولتشكروا الله على هذا الاصطفاء ولتكونوا على قدر أمانة التكليف وعظم المسئولية.

لابــد للدولة من وضع مقاييس وشروط للدراسة في كليات الشريعة والقانون:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،،
((إن خير من استأجرت القوي)) إنطلاقا من القيم الكريمة والمبادئ السامية في هذه الآية الكريمة، فقد بدا لي أن دراسة الشريعة والقانون أوالحقوق ينبغي أن تحاط بسياج من الضوابط والقيود الأخلاقية إضافة إلى التميز الأكاديمي لأن الدارس في هذه الكليات يؤدي أمانة وعلى عاتقه مسئولية كبيرة قبل أن يمارس مهنة،فليست دراسة الشريعة و القانون كغيرها من بقية العلوم، وليس القاضي أو المحامي والمستشار القانوني كغيره من أصحاب المهن الأخرى، وإن كنا نتفق في أنه لابد أن يتوافر لكل مهنة قدرا من الصدق والأمانة في الشخص الذي يمتهنها إلا أن الشريعة والقانون يتطلبان قدرا كبيرا من الأمانة والصدق والأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة وقدرا كبيرا من الحزم والمسئولية والحياد والعدل والإنصاف،وهي خصائص لا يشترط توافرها في كثيرا من المهن الأخرى لأن كليات الشريعة والقانون و كليات الحقوق هي كليات ذات مواصفات ومعايير خاصة تختلف عن غيرها من الكليات الأخرى ، فإن كانت الأمانة أمر ضروري في كل المهن فهي في أهل الشريعة و القانون أكثر ضرورة وأشد حاجة لأن دراسة القانون تتعلق بالحقوق وما أدراك ما الحقوق فهي تتعلق بالأرواح والذمم ولا يخفى على ذي بال أهميتها، فكان لزاما على الجهات المختصة في الدولة أن تراعي ذلك حتى لا يُترك الباب مفتوحا على مصراعيه ليلج إلى هذه الكليات المرموقة ذات المكانة العالية والمهمة كل متميز أو متفوق في المجال الأكاديمي فقط دون اعتبار لقيّم الأخلاق، فلا يمكن بحال أن يكون التفوق الأكاديمي بمنأى عن القيم والمبادئ الأخلاقية ليدرس الشريعة والقانون كل من شاء ورغب دون أن تتوافر فيه الشروط والصفات والأهلية المتطلبة لهذه الأمانة وهذه المسئولية العظيمة،ولا يتأتى ذلك إلا من خلال وضع أشتراطات ومعايير محددة للقبول في كليات الشريعة والقانون بجعل مواصفات وخصائص دارسي هذه الكليات واضحة المعالم لا يمكن تجاهلها أو الحياد عنها أبدا، فلا يدرس في هذه الكليات من أتصف بٌحسن السير والسلوك وسمو الأخلاق و بالصدق والأمانة والأخلاق الفاضلة مع الوعي الكامل والنضوج الفكري والعقلي ثم بعد ذلك الفطنة والذكاء، والصبر وسعة الصدر، ثم بعد ذلك ينظر إلى شرط التميز أو التفوق الأكاديمي بأن لا يقبل في هذه الكليات إلا من تحصل على أعلى الدرجات العلمية في الاختبارات والامتحانات المؤهلة، والذي لا خلاف عليه أن تقديم الشروط والمعايير الأخلاقية مقدم على معيار التفوق الأكاديمي لأهميتها، قد لا يتفق معي البعض في هذا الرأي لكن واقع الحال وطبيعة وخصوصية المهن القانونية يتطلبان ذلك، خاصة في ظل الظروف الراهنة والواقع المعاش، وما النماذج السيئة والصور السالبة لمن ينتسبون إلى هذه المهنة إلا خير شاهد يؤيد هذا الرأي، وقد تطرح عدة تساؤلات عن مدى القدرة من التحقق من توافر هذه الصفات في الشخص وكيف يمكن التأكد من أهليته وهي أمور لصيقة بالشخصية و يحتاج التأكد منها إلى سبر الأغوار والغوص في الأعماق وهي أمور يصعب على الدولة التحقق منها و قد يقول قائل إن التحقق من هذه الأمور مهمة شاقة تجعل التحقق منها شبه مستحيل ، لكن الجواب بقدر أهمية هذه المهن العدلية فلابد من خوض غمار أي مصاعب أو عقبات فالأمر من الأهمية بمكان، وفي تقديري الشخصي أن من الشرف بمكان الإلتحاق بكليات الشريعة والقانون وشأن رفيع لمن يعمل بالمحاماة وكل منظومة القضاء بمختلف أطيافها لأنه من حاملي رسالة الحق، ودعاة الفضيلة وحملة لواء الدفاع المقدس، فالمحاماة والقضاء هي من مهن النبلاء الشرفاء دعاة الحق في كل زمان من أصحاب القيم والمبادئ والأخلاق الفاضلة والقدوة الحسنة، فخليقا لمن يتشرف بهذه المنزلة أن يكون على قدر المسئولية والتكليف وذا أهلية لأن هذه الأهلية من أهم مقومات هذه المهنة والرسالة.
هذه الرؤية التي أدعوا إليها وأمل أن تطبق في بلادنا الإسلامية والعربية يدعمها بعض ما تشترطه دول الغرب كأمريكا مثلا وبعض من الدول الأوربية من معايير ومقاييس منظمة للالتحاق بكليات الحقوق، وقبل ذلك كله إذا نظرت إلى الشروط والصفات التي حددها الفقهاء المسلمين فيمن يتولى القضاء لاستبان لك الأمر بجلاء وما المحاماة والقضاء إلا على قدر سواء وإن اختلفت المهام فهما في الغاية والهدف يجتمعان، ولا يخفى على أحد مدى أهمية القانون في حياة الفرد والمجتمع - فالقانون هو المنظم لكافة شؤون الدولة فإذا لم يوجد قانون لا توجد حضارة وإذا لم يكن رجال القانون على قدر من الأمانة والصدق فلا مجال لوجود العدل المنشود ولا مجال للإنصاف فإذا أردنا تحقيق قيّم العدل والإنصاف فلابد من حُسن الاختيار فيمن يقوم بتحقيق هذه القيّم لأن الغاية من هذه الضوابط والقيود تحقيق الوسيلة الناجعة للحيلولة بين إسناد الأمر إلى غير أهله.
وما استعصى على قومٍ مَنَالٌ ** إذا الإقدامُ كان لهم رِكَابَاً
ألا هل بلغت أللهم فأشهد.