دعوى مطالبة بقيمة مبيع

دعوى مطالبة بقيمة مبيع

من أقبح صور المحامين أن يكون المحامي كذابا وجريئا في أكل الحقوق:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،،
ليس أشد على من يحمي الحقوق ويدافع عنها ويرد الظلم عن الغير من أن يجد حقه يضيع من بين يديه والظلم يطوق عنقه أحساس مليء بالحسرة والمرارة أشعر به ليس لأني ظُلمت فقط وأخذت أموالي فهي ليست المرة الأولى لكن المؤلم حقا أن الظالم في هذا المشهد ممن ينتسب إلى قبيلة المحامين أو بتعبير أدق من المحسوبين على المحامين ، وأن الظلم الذي وقع علي ليس بتفريط أو إهمال وإنما بسلامة الطوية وحسن الظن بأن صدق الكلمة ووفاء العهد والتزام العقد أمر يتصف به كل كريم خٌلق ممن عرف الظلم ومقته وكره والمحامون من أولى ممن يتحلى بتلك الصفات.
المحاماة ليست مجرد شهادات من كليات الحقوق أو تراخيص بممارسة المهنة من نقابات المحامين، لينطلق حاملها يملأ كل فضاء كذبا وغشا وخيانة وظلما وأكلا لأموال الناس بالباطل، المحاماة قيم نبيلة وآداب جليلة ومبادئ كريمة وأخلاق فاضلة وقبل ذلك كله هي صدق وأمانة وشرفا في الكلمة، فإن لم تكن كذلك فليست تلك هي المحاماة ذات الشرف والكرامة والمنزلة العالية الرفيعة وليس من يمارسها هو ذاك المحامي صاحب الخُلق النبيل وإن صار نقيبا للمحامين أو يشار له بالبنان، فهو في الحقيقة كذاب أشر بطر يتلون مع الباطل ويدور معه حيث دار غايته كسب مادي فقط يصد عن كل حق ويأكل ما ليس له حق ويدمر كل قيم جميلة ويهدم كل فضيلة.
لا شك أن الظلم مرفوض من أي إنسان كائنا من كان بل حتى في الحيوان لا يكون مقبولا فكيف إن كان هذا الظلم ممن يفترض فيه القّيم النبيلة والمبادئ والأخلاق الكريمة بلا شك يكون أشد و أنكى لا بل طامة كبرى ومصيبة وبلوى، لأن العدل والإنصاف وغيره من هذه القّيم إذا فقدت في المحامي فماذا بقي له من قيمة وماذا بقي له من شرف المهنة وعلو الرتبة وسمو المنزلة وكرامة العمل، أن تكون محاميا يعني لابد أن تكون صادقا أمينا تراعي العهود وتفي بالعقود والوعود ولا تنقض المواثيق والعهود، أن تكون محاميا يعني ألا يحتاج لمن يتعامل معك أن يثبت حقه الذي في ذمتك بالمستندات وبالشهود لأنك صاحب مبدأ ورسالة وداعي حق وذو ضمير حي تربى على قّيم الحق والعدل والإنصاف يجعلك تشهد على نفسك نصرة لغيرك لأنك منصفا لنفسك من نفسك فلا يحتاج لمن يتعامل معك إلى ما يحتاجه مع أهل الظلم والعدوان ودعاة الباطل ممن يأكلون حقوق الآخرين.
ما أكثر الدخلاء على هذه المهنة العريقة الشريفة وما أكثر المحسوبين عليها زورا ممن أفتقدوا قّيمها ولم يعرفوا مبادئها وأخلاقها بل ما عرفوا معنى الحق وقّيم العدل، وهم يُحسبون على المحامين وهم ليسوا منهم لأنهم لم ينالوا شرفهم ولم يصلوا قدرهم ولم يعرفوا حقهم ولم يتأسسوا على قّيمهم وأخلاقهم وآدابهم فأنــــى لهم أن يكونوا منهم ... أنــى لهم.
جاء في كتاب الرقاق في صحيح الإمام البخاري رحمه الله عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).

السرقات الأدبية داء أعجز عن الدواء (1)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... 
لا شك أن السرقة لفظ بغيض تأنفه النفوس السليمة وتمجه الأسماع لأنها خٌلق ذميم وطبع قبيح تنفر منه كل فطرة سليمة وطبع سوي ولا يستمرأها أو يتلبس بها إلا قليل الدين عديم المروءة من ذوي الفطر المنكوسة والأخلاق الوضيعة والنفوس المريضة ويكفي في ذمها أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قرن بينها وبين عدم الإيمان في قوله (لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) وفي تقديري لا تختلف السرقة سواء كانت مادية محسوسة أو كانت سرقة أدبية ومعنوية فالسرقة سرقة وإن تعددت أوصافها أو تباينت أسماءها. والسرقة الأدبية لا شك في أنها جريمة خطيرة وإن وصفها البعض بأنها جريمة أخلاقية متحصنين بأنه لا يوجد حكما صريحا ومحددا لها فهي في نهاية المطاف جريمة طالما أن السرقة يٌسلب بها الحق من صاحبه و بها يوضع الشيء في غير موضعه و بها تضيع الحقوق وتذهب الحقيقة أدراج الرياح فإن كان سلب الأموال والمتاع جناية بحكم الشرع والقانون فإن السطو على إنتاج الغير والانتحال وانتزاع الأفكار من مبدعيها ومخترعيها سرقة لا تقل خطورة وضررا من سلب المتاع و سرقة الأموال العينية وإن كانت السرقة المادية أو الجنائية تعد أمرا بغيضا ومستهجنا فإن السرقة الأدبية أكثر قبحا وسوءا لأنها جمعت أثنين معا سرقة وكذبا في آن واحد فهي جماع الشر كله أو كما قال الشاعر: [إن شر ما قيل الكذب] وكقول شاعر الجاهلية طرفة بن العبد[وشرّ النّاس من سرقا]. والسرقة الأدبية وإن لم يتفق على تعريف جامع لها إلا أنها لا تخرج عن كونها نقل غير شرعي لمجهود الغير الفكري أو الأدبي دون إذن صاحبه ونشره دون الإشارة إلى مصدر الأصلي، فنشر الشيء دون الإشارة إلى صاحبه أو مصدره سرقة وشر صنيعة، والواقع يكشف لنا أن السرقات الأدبية ليست ظاهرة حديثة وليدة الحاضر بل هي ضاربة الجذور في القدم منذ عصور اليونان والرومان غير أنه يصعب تحديدها في تلك الحقب المتأخرة لعوامل كثيرة ، ولم ينجو من هذه الظاهرة السيئة والصورة القبيحة حتى الأدب العربي ولم يسلم منها حتى الشعراء فالناجون منها قليل حيث يقول ابن رشيق: عن تلك السرقات الأدبية (هذا باب متّسع جدّا لا يقدر أحد من الشّعراء أن يدعي السّلامة منه وفيه أشياء غامضة إلاّ عن الحاذق بالصّناعة وأخرى فاضحة لا تخفى عن الجاهل الغافل) ويقول عنها القاضي الجرجاني: أنها ( داء قديم وعيب عتيق ومازال الشاعر يستعين بخاطر الآخر ويستمد منه قريحته ويعتمد على معناه ولفظه) وهذا تأكيد على انتشار هذه الظاهرة وقدمها بل يقال أن السرقات الأدبية عرفت في الأدب العربي منذ العصر الجاهلي. ويتأكد ذلك من خلال أشعار طرفة بن العبد الذي يعد أول الشعراء في ذم السرقة في قوله: 
ولا أغير عــلى الأشعار أسرقها * عنها غنيـــت وشرّ النّاس من سرقا. 
وإن أحسن بيت أنت قائـــــــله * بيت يقـــال إذا أنشــدته صــــــدقا.
وهذا يدلل على أن السرقات الأدبية أو الشعرية على وجه الخصوص لم تكن ظاهرة حديثة، وإن تركيزي في هذا المقال أختص به الشعر كنموذج إلا أن السرقات الأدبية لم تقتصر على الشعر فقط دون غيره من أوجه الإبداع و الفنون. ومما لفت انتباهي في السرقات الشعرية و أذهلني العدد الكبير من فحول الشعراء الذين يشار إليهم بالبنان ويعدون من الاعلام تجدهم متهمين بالسرقات الشعرية لسابقيهم من الشعراء أو معاصريهم وفق ما أشارت إليه كتب النقد والبلاغة فلم تحدثتني نفسي يوما بأن شاعر بني كليب جرير بن عطية الذي وصف بأنه أشعر أهل عصره في فن الهجاء والمدح له سرقة تعد من معايبه أو أن لزهير بن أبي سلمى سرقات من قراد بن حنش أو أن الشاعر الفذ النابغة الذبياني الذي أبدع في قصيدته التي تعد من كنوز الشعر العربي في قوله:
سقط النصيف ولم تــرد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليـــد
بمخضب رخص البنان كأنه عنقود من فرط الحلاوة يعقد
فمن يظن أن للنابغة الزبياني سرقات شعرية من الشاعر وهب بن الحارث بن زهرة، وفق ما ذكره أبو هلال العسكري حيث أكد أن بيت النابغة الذي يقول فيه:
( تبدو كواكبه والشمس طالعة **لا النور نور ولا الإظلام إظلام)
أن هذا البيت من الشعر مأخوذ من قول وهب بن الحارث حيث يقول : 
( تبدو كواكبه والشمس طالعة ** تجري على الكأس منه الصاب والمقر) ومن منا كان يشك في الفرزدق أحد فحول الشعر العربي في المدح والفخر والهيجاء الذي لا يشق له غبار في هذا المضمار أن له سرقات شائعة ذكرها المرزباني عن أحمد بن طاهر انه قال: ( كان الفرزدق يصلت على الشعراء ينتحل أشعارهم ثم يهجو من ذكر أن شيئا انتحله أو ادعاه لغيره وكان يقول ضوال الإبل وخير السرقة ما لم تقطع به اليد) و روي عن الفرزدق أيضا انه سمع جميل ابن معمر ينشد قوله : ( ترى الناس ماسرنا يسيرون خلفنا *وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا ) فقال الفرزدق : متى كان الملك في بني عذره ؟ إنما هو في مضر وأنا شاعرها فغلب الفرزدق على البيت ولم يتركه جميلا حتى أسقطه من شعره. وقد ذكر الرواة كثيرا من الشواهد العملية على ماحكوه عن الفرزدق وكل هذه الشواهد تثبت أن للفرزدق تاريخا حافلا في السرقات الشعرية. وأن أهم ما تميزت به السرقات في الشعر الجاهلي أن الشاعر ينتحل شعر غيره انتحالا وهذا النوع من السرقات يسميه النقاد الاجتلاب ويصفونه بالسرقة الفاضحة ولم يقف الأمر على الفرزدق وحده بل جاء في الأخبار أن المتنبيء الذي ملاء الدنيا صخبا وضجيجا واشتغل الناس بذكره كثيرا والذي يعد صاحب أكبر حركة نقدية في تاريخ النقد العربي ويحتل مكانة عظيمة بين شعراء عصره أن له سرقات شعرية وأنه كغيره لم ينجوا من تلك الآفة والخصلة السيئة، أكد ذلك من تتبعه من النقاد واشهرهم أبو سعيد محمد ابن احمد العميدي صاحب كتاب ( الإبانة عن سرقات المتنبي لفظا ومعنى ) يقول عن المتنبي ‏‎frown‎‏ رمز تعبيري ولقد تأملت أشعاره كلها فوجدت الأبيات التي تفتخر بها أصحابه وتعتبر بها آدابه من أشعار المتقدمين منسوخة و من معانيهم المخترعة مسلوخة ) ويقول عنه ابن الأثير أن بيت المتنبي فيها: 
( لم يسلم الكر في الأعقاب مهجته * إن كان أسلمها الأصحاب والشيع)
مأخوذ من بيت أبي تمام في قصيدته تلك : (
(ما غاب عنكم من الأقدام أكرمه *في الروع إذ غابت الأنصار والشيع) 
والعهدة على الراوي في كل ما تقدم من قدح وقول بالسرقات الأدبية والشعرية على وجه الخصوص، ولقد أمتدت هذه الظاهرة وانتشرت وعمت الآفاق خاصة في عصرنا هذا الذي ازدادت فيه السرقات الأدبية وتنوعت حتى طالت الدراسات الجامعية والبحوث العلمية وغيرها ، والذي ينبغي التنبيه إليه هنا هو أن السرقة الأدبية تختلف عن الاقتباس فالاقتباس بكل أنواعه لا يؤاخذ عليه فهو جائز بحكم الشرع والقانون لكن شريطة أن ينسب المقتبس ذلك إلى مصدره وأن يعزوه إلى صاحبه عند الكتابة والتسجيل ورده إلى مصدره الأصلي كذلك نقل أفكار الغير وكتابتها وتطويرها بالإضافة إليها وتحديثها لا تدخل في السرقة الأدبية إذا تمت الإشارة إلى مبدعها ومخترعها وبيان أوجه الإضافة والزيادة فيها.فليس أقبح من أن يسلخ المرء جهد غيره ويسطو عليه بنسته إلى نفسه، فهو بلا شك من السرقة والكذب والسرقة فعل مجرم بنص القانون وهو كذلك من التشبع بما لا يُعط الذي ورد به النهي في الشرع في قول رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلم : (المتشبعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ ) . رواه البخاري ، وأنظر إلى دقة اللفظ والوصف في التثنية في قوله صلى الله عليه وسلم: ( ثَوبَي زُور ) : للإشارة إلى أن كذب المتحلِّي مثنَّى، لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ ، وعلى غيره بما لم يُعطِ ، وكذلك شاهد الزور ، يظلم نفسه ، ويظلم المشهود عليه. فلابد في باب التصنيف أن يعزوَ إلى أربابها وأن يحيل إلى أصحابها حتى تبرؤا ذمته من انتحال ما ليس له ،وإلا يكون كلابس ثوبي زور.